د.علي القرني
هل هناك مسألة تدور بخاطرك الآن؟
ربما ليس مسألة واحدة بل مسائل كثيرة تدور بخاطرك.. بعضها شخصي، وبعضها عام، وبعضها قريب وبعضها بعيد، وبعضها محلي وبعضها دولي.. المهم أن المسائل المهمة التي تدور ببالنا كثيرة بل لنقل إنها أحيانا لا متناهية..
وهنا لو سألنا كل فرد منا: ما أهم القضايا أو الموضوعات التي يرى أهميتها اليوم؟ أو هذا الأسبوع أو هذا الشهر، فكل شخص لديه قائمة يمكن أن يسميها على هيئة موضوعات مهمة. فليحاول الشخص أن يكتب عشرين موضوعا من تلك الموضوعات، ويرتبها حسب أهميتها في نظره، من واحد إلى عشرين..
وإلى جانب كل قضية يحدد هذا الفرد مصدر تلك القضية أو ذلك الموضوع: هل هو من وسائل الإعلام التقليدية؟ أم من شبكات التواصل الاجتماعي، أم غير ذلك أي من مصادر غير إعلامية. هذا التمرين يساهم في معرفة مدى تأثير وسائل الإعلام على الفرد.. فإذا كانت النتيجة أن معظم هذه الموضوعات هي ذات المصادر الإعلامية - أكانت إعلام تقليدي أو جديد؟ - فهذا يعني أن وسائل الإعلام قد أثرت فعلا على عقلية الفرد واستطاعت هذه الوسائل أن تبني ما نسميه بأجندة موضوعات وتختار له الموضوعات المهمة في الحياة اليومية التي يعيشها الفرد. أما إذا كانت معظم هذه الموضوعات من مصادر غير إعلامية فهذا يعني أن الفرد قد نفذ بجلده من تأثير وسائل الإعلام، ولديه مصادره المستقلة التي يعتمد عليها.
وهذا التمرين الذهني يمكن أن يكون منهجية فردية للبحث الذاتي عن تأثير وسائل الإعلام على الفرد، ولكن الباحث إذا استطاع أن يجمع إجابات من ثلاثمائة أو أربعمائة شخص أو أقل أو أكثر بطريقة عينة عشوائية علمية، فيمكن أن يستنتج تعميما عن دور وتأثير وسائل الإعلام على الفرد. وهذه المنهجية هي منهجية مبسطة جدا لمنهجية نظرية «تحديد الأولويات»، وهي منهجية معقدة وتحتاج إلى مسح بالموضوعات التي تغطيها وسائل الإعلام خلال فترة زمنية قد تصل إلى شهور، ووضع تلك الموضوعات والقضايا في ترتيب معين من الأكثر أهمية إلى الأقل أهمية، ثم يتم مسح عينة من الجمهور وسؤالهم: ما هي أهم عشرة أو عشرين قضية ترى أهميتها في المجتمع.
ويقوم الباحث بمقارنة أجندة الإعلام مع أجندة الجمهور، وكلما كانت الأجندتان متطابقتين أو متقاربتين، فهذا يعني أن وسائل الإعلام قد أثرت على الجمهور، وإذا كانت الأجندتان متباعدتين فهذا يعني أنه ليس لوسائل الإعلام تأثير على الفرد أو بشكل أدق ليس هناك ارتباط بين الأجندتين. وأغلب الدراسات الإعلامية تشير إلى وجود علاقة كبيرة بين أجندة الإعلام وأجندة الجمهور، مما يعكس قوة تأثير وسائل الإعلام على الجمهور.
ولا شك أن هناك اختلافات في مسار هذه النظرية، فقد يؤثر التلفزيون أكثر من الصحف، وقد تؤثر وسائل الإعلام الجديد أكثر من وسائل الإعلام التقليدي، وقد يكون التأثير أكثر لدى شريحة عمرية معينة دون شريحة أخرى، أو مستوى تعليمي معين دون مستوى تعليمي آخر، أو في مجتمع دون مجتمع آخر..
وإذا عدنا إلى المنهجية المبسطة التي اخترناها في بداية هذا المقال، فأرى أنها يمكن أن تكون مصدر أهمية للباحثين، حيث يمكن أن تبسط من منهجية نظرية ترتيب أو تحديد الأولويات وتختصر وقتا وجهدا، كما أن الفرد هو الأعلم بمعرفة أن هذا الموضوع قد نقله من وسيلة إعلامية أو وسائل غير إعلامية. وربما هنا نضيف بعدا آخر، وهو أن المصدر قد يكون شخصيا، ولكن هذا المصدر الشخصي هو عبر وسيلة إعلامية (قادة الرأي)، وهنا تتعقد المنهجية قليلا ولكنها قد تشرح وتفسر الكثير من الغموض الذي قد يلف تأثير وسائل الإعلام على الفرد. وأخيرا يبقى مسمى هذه المنهجية أو مفهوم النظرية، نتركه لقاعات الدراسة..