د. فوزية البكر
من ينظر إلى حال المرأة السعودية قبل سنوات قليلة لن يصدق المشهد الذي يجري حالياً على مسرح الحياة اليومية في المملكة، حيث مكنت الإصلاحات الحكومية المتسارعة مئات الآلاف من النساء المهمشات الفقيرات من العثور أخيراً على عمل والتعرف على فرص الحياة التي أعاقها الجهل والفقر والتربية الصارمة عن معرفتها، فتجدهن اليوم عاملات في كل مكان وكل عمل مهما كان بسيطًا فلم يعد يمنع هؤلاء النساء العمل في الكثير من المجالات التي كانت قديمًا قاصرة على العمالة الأجنبية، مثل عاملات نظافة في المؤسسات التعليمية النسائية، وحارسات أمن ومأمورات سنترال وعاملات بنك وبائعات في المحلات التجارية.. الخ من المجالات التي كان لابد من اقتحامها بعد أن بلغت نسب البطالة بين النساء السعوديات خلال السنوات العشر الأخيرة حجمًا مهولاً أوصلته بعض الإحصاءات إلى أكثر من 60 %.
لن نتجاهل الكثير من المجادلات التي دارت ولا تزال في الوسط المحلي حول بعض هذه الأعمال التي أتيح للنساء السعوديات الالتحاق بها، والتي أطاحت دون رجعة بالفصل القصري (المتوهم) بين الرجال والنساء (متوهم لأن الحياة مشتركة بين الجنسين كما نراها في حياتنا اليومية... في الشارع والسوق والمستشفى والمسجد والحرم المكي والحرم النبوي الشريف إلخ من مجالات الحياة الطبيعية)، ودارت المناقشات في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي حول عمل المرأة وخاصة موضوع الاختلاط وتبعاته أو قد يتعلق النقاش بطبيعة بعض هذه الأعمال ودونيتها والتي أسهم الصراع الأيدلوجي والصراع على وجود المرأة أو غيابها في الفضاء العام في إشعالها، أو قد تتعلق أحياناًً ولحسن الحظ ببعض القضايا الحقيقية التي تواجهها بعض هؤلاء النسوة مثل سوء الخدمات المساندة لهن في رعاية أطفالهن وبيوتهن أثناء غيابهن، حيث إن رعاية الأطفال والبيت يجب أن يكون مسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة إذا ما كنا نريد مجتمعًا صحيًا يديره كلا الجنسين باختلاف أدوارهم بما يتماهى مع الحقوق الإنسانية لكلا الطرفين ومع المسؤولية الأخلاقية لهما، لكن الواقع المعاش ينبئ بغير ذلك مما يتسبب بكثير من المشكلات لبناتنا العاملات في الوظائف الجديدة، وهو ما يستدعي التأمل والبحث عن حلول ميسرة لهؤلاء الموظفات.
يبقى أنه رغم كل الفرص والقوانين المشرعة حديثًا هنا وهناك إلا أن قضية الأجور والفروق الهائلة فيها بين النساء والرجال في القطاع الخاص ستظل قضية محورية تستحق أن تُطرح، وعلى مجلس الشورى والمشرعون أخذ هذا الموضوع على محمل الجد والذي لا يتسق مع رؤية المملكة 2030 ولا يتسق مع كل الجهود المبذولة لتمكين المرأة، حيث أكدت دراسة سعودية تمت عام 2017 وقامت بها مؤسسة الملك خالد الخيرية إلى تفاوت هائل في الأجور بين النساء والرجال في القطاع الخاص، فقد كانت فجوة الأجور بين الجنسين عام 2014 فقط 324 ريالاً لصالح الرجال، لكنها تضاعفت عام 2016 لتصل إلى 1077، ولا يعلم إلا الله ثم التأمينات الاجتماعية الآن حجم الفجوة بين رواتب الرجال والنساء في القطاع الخاص. فهل لنا من معين على تقصي الحقائق والوصول إلى الأرقام التي تعين صانع القرار لإنصاف النساء العاملات في القطاع الخاص؟
هناك ظلم واضح على النساء العاملات في القطاع الخاص بسبب التفاوت الهائل في الأجور والامتيازات بين النساء والرجال، ونعم نعرف أن طبيعة المرأة في مجتمعنا التي ظهرت من قمع ثقافي واجتمعي كبير قد تقبل الآن بأي مرتب لتخرج من فاقتها أو عزلتها أو نقصها أمام قانون الولي، لكننا في مشروع تمكين المرأة ورؤية 2030 نؤكد التفكر في المواطن أولاً بغض النظر عن جنسه، فمن يعمل الساعات الطوال هم بناتي وبناتك، ومن يعمل من دون حقوق ولا امتيازات قد يكون يوماً ما بناتك وحفيداتك، لذا علينا جميعًا الاصطفاف طالما أننا في بداية الطريق لنتمكن من تصحيح ما يحصل الآن من فروقات تكبر مع الزمن ولا تتفق مع خطط التمكين الطموحة للمرأة التي تقودها المملكة اليوم والتي نشهد آثارها في كل مكان، لكن الفروقات في الرواتب والامتيازات تمس الغالبية من النساء بغض النظر عن طبيعة وظائفهن أو طبيعة الطبقة الاجتماعية التي يأتين منها: الفرق في الحقيقة هو فقط في مقدار حجم الامتيازات التي لا تتمكن المرأة من الحصول عليها: فكلما زاد تضاؤل تعليم المرأة زاد تواضع الطبقة الاجتماعية التي تأتي منها وزادت الفروقات في الراتب والامتيازات!
تتساءل النساء ممن يقرأن هذا المقال الآن: هل ينصفنا صانع القرار وقد أنصف المرأة في جوانب كثيرة ومهمة؟