د. محمد عبدالله الخازم
تصدر بين الحين والآخر اجتهادات حول وظائف المستقبل. والواقع أن التطورات التقنية تأتي بما لم يكن في حسبان المعلم ورب العمل التقليدي. نحن ندرك أن وسائل التقنية تغيِّر وجه العمل، لكننا لا ندرك على وجه التحديد كيف وبأي طريقة. على سبيل المثال أشارت دراسة (ماكنزي) إلى أن 30 % من النشاطات الوظيفية أصبحت تقدم عن طريقة التقنية، وهذا يعني أن أداء وظائفنا تغيَّر خلال العقود الأخيرة بشكل كبير، ومع تقدم التكنولوجيا سيكون لدينا وظائف من نوع جديد، وسنؤديها بشكل مختلف، وبعضها قد لا يصبح له قيمة كبرى؛ لذا يأتي السؤال: كيف نحضِّر الجيل الجديد لوظائف نحن لا ندرك كنهها بعد ولا تفاصيلها؟
الاستعداد للمستقبل يتطلب التركيز على ما يعرف بالمهارات الناعمة أو المهارات الإنسانية.. بما أن كثيرًا من الأعمال ستصبح تقنية فالمهارات الإنسانية ستكون عامل التغيير والفرق، ومن أهمها مهارات التفكير النقدي والإبداعي، العمل ضمن فريق، مهارات التواصل، التقدير الاجتماعي أو ما يسميه البعض الذكاء الاجتماعي.. وغيرها. أو كما يشير (جوسف أون) مدير جامعة نورث ايسترن بالولايات المتحدة، نحتاج إلى التركيز على المهارات الإنسانية؛ لنتغلب على الآلة. مع تشابه الآلة ستكون المهارات الناعمة أو الإنسانية هي مصدر التحدي والمنافسة. تقرير (ناشيونال أكاديمي) بناء على مسح أجرته (قالوب فور لومينا) وغيرها من الجهات لم يكن بعيدًا عن ذلك بالإشارة إلى خمس مهارات مطلوبة لتعليم المستقبل، هي: مهارات التواصل، مهارات التعاون بالذات مع أناس يختلفون في مبادئهم أو أيديولوجيتهم أو تفكيرهم، مهارات الثقافة الكمية أو القدرة على قراءة وتوليد البيانات الكمية، مهارات الذكاء والثقة في النفس التي تمكِّن العمل في أجواء ووفق خطط متنوعة، ومهارات الثقافة الرقمية التقنية.
إحدى أهم الوسائل لتعليم المهارات المشار إليها أعلاه بشكل احترافي هي ضرورة مد التعليم الجامعي يده للتعاون مع القطاع الصناعي والإنتاجي/ المهني في مختلف التخصصات. على سبيل المثال: عبر إدخال التطبيقات العملية بأسمائها، برامج تعاونية أو امتياز أو تدريب صيفي أو تطبيق عملي ضمن مناهج التعليم الجامعية، بدءًا من بيئة الجامعة ومحيطها ذاتها بجعلها ورشة عمل لتعليم الطلاب. الجامعة يجب أن تبدأ بنفسها بأن تتيح التدريب والعمل لطلابها في مختلف قطاعاتها.
هناك حاجة لتعليم التعلم مدى الحياة. مع التطور الحاصل لم يعد يكفي أن تحصل على الشهادة وتُوظَّف دون تطور ذاتي مدى الحياة؛ وهذا يتطلب التدريب على مهارات التعلم، وكذلك فتح باب التعلم والتدريب للموظفين والخريجين حتى بعد أن يتركوا مقاعد الدراسة. جهات العمل مستقبلاً ستحتفظ بالقادر على التكيف مع المتغيرات المهنية والتقنية، ومع أقران ذوي آليات تفكير مختلفة. غير القادر على التعلُّم سيجد نفسه متأخرًا عن الركب؛ فالخبرة ليست مجرد تكرار السنوات أو تكرار العمل على آلة محددة، بل القدرة على التطور مع المتغيرات الحاصلة في المجال.
الشهادة العليا في تخصص ما لا تكفي ما لم يعرف صاحبها أساليب التواصل الحديثة ومتابعة الأعمال تقنيًّا والتعامل مع فكر ومجموعات مختلفة في تفكيرها عما هو معتاد.