عماد المديفر
وقف «راشد الماجد» مشدوهاً على المسرح أمام جمهوره من الجنسين، الذين اكتظت بهم مدرجات الصالة الخضراء في الدمام، احتفالاً باليوم الوطني السعودي المجيد في الذكرى الثامنة والثمانين، فغنى لهم أغنيتهم الوطنية الأولى «عاش سلمان ملكنا»، فتمايلت معه ومعها المدرجات طرباً، وغنت الحشود: «عاش سلمان»، ولم يدعوه يكمل، بل تعالت الأصوات، وغنوا بدلاً منه، وما إن انتهى وانتهوا، إلا وعلا هتاف الجماهير وتصفيقهم: «آه يا راشد.. آه يا راشد»..!
أجل.. «آه يا راشد».. «آه» خرجت الآه صادقة، من الأعماق، تحكي معاناة حقيقية، «آه.. آه..» تكتب عنها الكتب والمؤلفات، والقصص والروايات.. فرد الماجد عليهم بشكل عفوي: «والله ماني مصدق.. أحس أني مازلت أحلم! أنا في حلم والا في علم؟!» إنها بالفعل لحظة تاريخية لا تنسى.. وكنت واحداً من مئات الآلاف وربما الملايين الذين شهدوا هذه اللحظات على الهواء مباشرة عبر الأثير.
بالفعل؛ فقد بدا الأمر للوهلة الأولى وكأنه حلم.. إذ لم يكن ليتوقع الفنان راشد الماجد أنه سيتحقق حلمه الذي لطالما داعب مخيلته، بأن يغني وسط جمهوره الذي أحبه، بين أهله وناسه الذين عشقهم وعشقوه وعشقوا فنه وطربوا له، داخل وطنه، المملكة العربية السعودية، بعد سنوات من الحرمان، والقحط والجفاف الفني، استمرت لما يزيد على الثلاثة عقود.. ثلاثة عقود عجاف بسبب ما عاثته فيها «الصحوة» تخلفاً وتطرفاً..!
أما اليوم، فبقيادة حكيمة وخبيرة، وحازمة وحاسمة؛ تمضي المملكة العربية السعودية قدماً وبكل ثقة، بمؤازرة حماسية من شعبها، وعزيمة وثَّابة من شبابها، قل نظيرها في العالم، تمضي، ونمضي معاً، في إصلاحات طموحة مبهرة، على كافة الأصعدة. ليست اقتصادية فحسب، بل واجتماعية وأمنية وعسكرية ودبلوماسية، وثقافية، وفي كل الاتجاهات -ولهذا تفصيل تناولت بعضه في مقالات سابقة، وسأستمر في تناوله في مقالات مقبلة-.
بيد أن الاعتراف بالتقصير والخلل، وربما الخطأ الذي قد يقع نتيجة تسرب فكر الإخوان المسلمين الدخيل علينا، والغريب عنا، وعن ثقافتنا، وهويتنا العربية الأصيلة، وديننا الوسطي السمح القديم، دين أجدادنا وأجدادهم وسلفنا الصالح، بسبب تغلغل أفراد الإخوان وعناصرهم داخل المجتمع السعودي، ومن ثم داخل الدولة وعبر عدد من أبنائها الذين جرى فيما بعد تسميمهم بلوثة الإخوان -تماما كما حدث في المجتمعات العربية والمسلمة في جميع أنحاء العالم، إذ المملكة ليست استثناءً من ذلك، بل هي البلد المستهدف الرئيس من هذا التنظيم المتطرف وفكره الإرهابي المدمر- منذ الستينيات الميلادية، والتي بدأت إرهاصاتها تظهر على السطح مع العام 1979م، وتصاعدت حتى بلغت أوجها منتصف الثمانينيّات والتسعينيات، فكان نتاجها ما سمي زوراً بـ«الصحوة الإسلامية»، فكانت بحق نكسة في الدول العربية والمسلمة، تسببت في تراجع مجتمعاتنا للوراء إلى حقب التخلف والتطرف والظلام، أقول: إن الاعتراف بذلك التقصير والخلل وربما الخطأ الذي قد يكون ارتكب بحق الدولة والمجتمع في تلكم الفترة الزمنية؛ ليس بعيب، بل العيب كل العيب الاستمرار عليه، والمكابرة، وعدم الاعتراف، ومن ثم عدم التصحيح.
لقد خطت المملكة خطوات كبيرة وعظيمة في الإصلاح في فترة محدودة وقصيرة جداً، شهدها القاصي والداني، قادها مليكنا المفدى الخبير، مليك الإصلاح والصلاح، والخير والفلاح، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله وأدام عزه-، وسمو سيدي ولي عهده الأمين الأمير المجدد محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله وسدد خطاه- أمير الشباب، وفارسهم، ومحقق أحلامهم ورؤاهم وطموحاتهم، بعون الله ثم بعون ومؤازرة شعبه، والذي لطالما ردد بأنه «لولا الله ثم نحن، أبناء هذا الوطن الشامخ وبناته، لما كان ليحقق ما تحقق، وما كان ليضع رؤيته العظيمة، والتي سيحققها بهم ومعهم، بعون من العلي القوي القدير..»، فسر يا سيدي مباركاً مسدداً حيث ما كنت، بحزم وعزم لا مثيل له في تاريخنا الحديث.. حزم وعزم يذكرنا بقصص المليك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-، سر يا سيدي ونحن معك، والله يرعاك، وكل عام ووطننا العظيم في تقدم وازدهار ونصر وحبور.
إلى اللقاء.