فضل بن سعد البوعينين
يواجه كل وزير عمل جديد بملف ثقيل للبطالة المتجذرة في الاقتصاد على مر العقود والأزمان، معضلة حقيقية تضعه أمام تحديات كبرى تؤثر في قدرته على تنفيذ إصلاحات عميقة قادرة على تحقيق الأهداف المرسومة.
قد يكون التحدي الأكبر في مواجهة الحقيقة المغيبة، والمتمثلة في مسؤولية الحكومة، وبعض وزاراتها؛ كالاقتصاد والتخطيط، الطاقة والصناعة، والتعليم؛ والقطاع الخاص؛ عن خلق الوظائف في الاقتصاد. قدر وزارة العمل أن تكون في مواجهة مباشرة مع أزمة البطالة، وأن تكون مسؤولة عن برامج معالجتها، وهي وإن تمكنت من تنظيم السوق، ومعالجة تشوهاتها، وسن تشريعات التوطين، ووضع البرامج إلا أنها لن تتمكن من تحفيز الاقتصاد وخلق الوظائف المطلوبة. بل ربما تكون وزارة العمل ضحية لقرارات حكومية تتسبب في بطء الاقتصاد وتقلص الوظائف. يؤمن المختصون بأن الملفات الاقتصادية مترابطة ومتداخلة بشكل يصعب التعامل معها بشكل منفرد، ما يجعلها من مسؤوليات الحكومة؛ وأحسب أن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية قد بدأ في التعامل مع مشكلات الاقتصاد وفق منظور شمولي تكاملي؛ مؤطر بأهداف رؤية المملكة 2030 التي أعادت هيكلة الاقتصاد ورسم مساره من جديد.
وزارة العمل والتنمية الاجتماعية؛ وضمن جهودها الرامية لرفع معدلات مشاركة القوى البشرية الوطنية في سوق العمل؛ أطلقت 68 مبادرة، تهدف إلى زيادة التوظيف ودعم القطاع الخاص، وتحسين بيئة العمل، ورفع جودة الخدمات.
يبدو أن الوزارة قد استفادت من أخطاء الماضي؛ المتمثلة في إطلاق البرامج بانعزالية عن المستفيدين؛ والمسؤولين عن تنفيذها؛ فعمدت إلى التواصل المباشر مع جميع الأطراف المعنية لضمان خلق برامج كفؤة ومتوازنة بين المتطلبات الحكومية، واحتياجات الأفراد، وتحديات القطاع الخاص. يعتقد المهندس أحمد الراجحي؛ وزير العمل؛ أن الشراكة مع القطاع الخاص أفضل من المواجهة القسرية التي قد تفرض البرامج دون أن تضمن تحقيق أهداف التوطين. لذا فهو يؤمن بأن إستراتيجية سوق العمل يجب أن توازن بين متطلبات التوطين والمحافظة على مكونات الاقتصاد؛ وألا تكون منفرة للقطاع الخاص بل محفزة لمساهماته الوطنية المأمولة وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الشراكة المثمرة. ويؤكد أيضا أن الشراكة لا تعني تنازل الحكومة عن أهدافها المتمثلة في معالجة البطالة وتوطين الوظائف، بل تعني الوصول لها من خلال رؤية مشتركة مع القطاع الخاص تضمن التوطين ومعالجة المعوقات.
ومن أجل ذلك الهدف عُقدت حوارات موسعة، وورش عمل مع رجال الأعمال للوصول إلى رؤية وطنية مشتركة؛ حيث تمخض عنها إطلاق المبادرات الأخيرة وفق الرؤية التشاركية.
يحسب للوزارة شروعها في برامج إعادة تأهيل خريجي التخصصات النظرية، ودمجهم في سوق العمل، ومشاركتها في رفع أجور المهن صعبة التوطين، ورؤيتها التشاركية الإيجابية، ووقفها الهدر المالي على الدراسات الأجنبية، واعتمادها على الكفاءات والخبرات المحلية، ومراجعة المبادرات، وجعل النجاح معيارا لاستمراريتها، بعيدا عن التعنت والانتصار للمبادرة وإن دمرت السوق.