رجاء العتيبي
الذي اشتغل في قطاع الثقافة يعرف أنه قطاع (بطيء الحركة) على مستوى التنظيم والتجديد والتغيير. ولا نعرف من أين أتى له هذا, بخلاف القطاعات الأخرى، كالسياسة أو الاقتصاد أو العقار.. قطاعات حيوية سريعة متغيرة متطورة.. أما القطاع الثقافي بجميع مؤسساته وهيئاته فيبدو بطيئًا.
حتى تخرج لنا كلمة الثقافة استمرت عقودًا من الزمن, ثم ظهرت, وبعد أن ظهرت دمجت مع الإعلام, وحتى تنفصل عن الإعلام أخذت عقودًا طويلة هي الأخرى, حتى انفصلت, وها هي الهيئة العامة للثقافة منذ إنشائها منذ سنوات لم تظهر للملأ بالشكل المطلوب, وما زالت في مرحلة الدراسة والبحث والتكوين ووضع الاستراتيجيات.
وبعد سنوات طويلة وعقود وأجيال ظهرت (وزارة الثقافة) هذا العام, وكالعادة مرحلة التكوين والنشأة والانطلاقة تبدو هي الأخرى بطيئة (اجتماعات وآراء ومشاورات)، قد تأخذ سنوات على حد معرفتنا بسلوك الثقافة في بلادنا. هناك توجس وخوف وتردد من هذا القطاع، لا أحد يريد أن يأخذ قرارات سريعة. كل من دخل دوامة القطاع الثقافي بدا بطيئًا في حركته وقراراته.. لا نعلم لماذا.. ولكن هذا الواقع يلمسه كل من عايش العمل عن قرب.
هناك تجربتان، بدتا لنا سريعتَيْن، شاهدهما الكل: تجربة الهيئة العامة للترفيه, والهيئة العامة للرياضة. عندما قادهما رجلان يعرفان ماذا يريدان لم يأخذ معهما الأمر سوى أشهر حتى باتتا حديث الناس (قرارات, أنظمة، قوانين, فعاليات, ميزانيات, أنشطة وتغييرات على جميع المستويات)، حتى تكوَّن لدينا شكل (ترفيهي) و(رياضي)، لم يكن موجودًا في السابق، و(نمط) متماهٍ مع العصر والزمن والناس.
ألا تلاحظ أن الهيئة العامة للرياضة - على سبيل المثال - تظهر كل يوم بـ(جديد) بخلاف المؤسسات الثقافية التي ما زالت على الحال ذاتها، أو أنها تتغير ببطء شديد، والتغيير إذا حدث يحدث على نطاق ضيق جدًّا؟!
فيمن العلة؟ في القيادات؟ أم في طبيعة القطاع ذاته؟ أم الميزانيات؟ أم في طبيعة المثقف كإنسان؟.. لا نعلم، ولكن الذي نعلمه أن سلوك الثقافة سلوك بطيء، لا يتغير مثلما يتغير جريان النهر.
إذا كانت القطاعات (تمرض) فإن هذا البطء هو مرض الثقافة على الأقل لدينا.. ربما يعود بوصفه مرضًا وراثيًّا، ورثته الثقافة من العاملين السابقين الذين يرون الثقافة (قطاعًا حساسًا)، ينبغي أن تعمل حسابك ألف مرة حتى تخطو خطوة للأمام, أو تأتي بجديد، أو تغير شيئًا قائمًا.