أ.د.عثمان بن صالح العامر
التربية والتعليم من أعقد المهام وأصعبها على الإطلاق خاصة في هذا الزمن وفِي مثل مجتمعنا المحافظ بالذات، ولذلك يعول على المدرسة كثيراً في صلاح الجيل وفاعليته وإيجابيته في مستقبل حياته، ومع أن التجديد والتطوير الذي يترتب عليه الحذف والإضافة عملية مستمرة في مسار وزارة التعليم نتيجة وجود مهام وأعمال يقوم بها المعلم أو القائد المدرسي أو المرشد الطلابي أو الخادم والحارس و... كانت متطلب مرحلة تاريخية مضت ولم يعد لها ذات الأهمية اليوم، أو أنها في أساسها ومن حيث المبدأ مهمة جداً وذات أثر إيجابي في الواقع التعليمي كانت وما زالت إلا أنها فقدت هذه الأهمية لسبب أو لآخر حين التطبيق، سواء أكان السبب المباشر تبدل المفاهيم بين التنظير والواقع العملي، أو تقادم الزمن وتغير الكوادر والقيادات، أو دخول طرف جديد في العملية التعليمية لا تقف على ذات الأرضية ولا ينظر بنفس المنظار، أو...، منها على سبيل المثال (دفتر التحضير) الذي كان في العهد الأول للتعليم بمثابة خارطة طريق للمنهج المقر، والمرجع الأول للمعلم المتخصص الذي يعكف عليه طول ليله إعداداً وتجويداً، قراءة وكتابة، إذ صار اليوم يباع بثمن بخس في مراكز خدمات الطلاب والمكتبات التجارية ولا يفيد منه المعلم شيئاً يذكر، سوى أنه يحمله معه إذا هم بدخول المدرسة ليريه المشرف والقائد حين طلبه حتى يوقع عليه ويسجل شوهد مع الشكر مؤرخاً بيوم الزيارة التي قام بها للصف، وربما كان مستقر -هذا الدفتر محل الحديث- الدائم المرتبة الخلفية في سيارة الأستاذ الخاصة أو غرفة جلوس المدرسين، ولذلك أرى لزاماً على الوكالة المعنية في الوزارة إما أن تفكر بتطوير الكيفية التي يتم بها إعداده وتوظيفه لخدمة العملية التعليمية أو يلغى نهائياً ويستعاض عنه بالبوربوينت خاصة في ظل وجود كتاب المعلم.
لقد صار دفتر التحضير - الذي كان المادة الأساسية للعملية التعليمية، والأرضية التي يقف عليها المعلم حين يكون أمام طلابه - سلعة يسوق لها بطريقة فجة، ويعرضها الباعة في مداخل محلاتهم التجارية مع الأدوات المكتبية للأسف الشديد، يحضره المعلم معه مصوراً ولا يكلف نفسه مجرد الاطلاع عليه وقراءة محتواه بل يعجز عن كتابة تاريخ اليوم الذي شرح فيه الدرس، وهذا يولد لديه الاتكالية والركون إلى الدعة والراحة فيصبح لا يكترث كثيراً بالتحضير للدرس، ولا يهتم بقراءة الجديد في التخصص، فيصير مع مرور السنوات يكرر نفسه ويمل من مهنته ويزهد في رسالته، وقد يعجز عن الاستمرار ومواكبة ما يطرأ على المنهج من تطور وتغير في المفردات فيصبح بعد مرور عشرين عاماً على عمله معلماً كأنه جديد على الميدان التربوي للأسف الشديد.
إن هذا التبدل بعد دخول عنصر المتاجرة في هذا الركن المهم لأداء المعلم في الصف، يوجب التصحيح والمراقبة والمتابعة ومن ثم إنزال العقوبة الرادعة من الجهات ذات الاختصاص أعني الإعلام والتجارة والتعليم حتى يجتهد كل معلم بنفسه في إعداد درسه وكتابته بيده في دفتره الذي يظل معه طوال العام يدخل به كل صباح مدرسته وهو ملم إلماما كاملا بكل ما فيه من مفردات وأمثلة وأسئلة وتوقعات، بهذه الصورة فقط يكون لدفتر التحضير موقعه الحقيقي والطبيعي في العملية التعليمية أما ما هو واقع اليوم فهو للشكلية أقرب منه للفاعلية غالباً، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.