د.عبدالله بن موسى الطاير
خصص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقتاً كافياً الأسبوع الماضي للأمم المتحدة، واستعرض قائمة إنجازاته الداخلية والخارجية ولا يبدو أنه يهتم لرأي من يعترضون أو يعارضون خطابه الموغل في الذاتية. فالرجل لا يأبه كثيرًا باللغة أو السلوك الدبلوماسي، ولا يعني ذلك أنه لا يتصرف بلباقة، وإنما أقصد بأنه لا يأبه بنصح الناصحين من النخب السياسية التقليدية التي انتخب بوعد التمرد عليها، وقد فعل.
في خطابه السنوي كانت المملكة العربية السعودية حاضرة في عدة مفاصل منه فهي حليف إستراتيجي في مكافحة الإرهاب، وهي مع بقية دول الخليج يعملون مع بلاده على تهيئة الظروف لاستقرار يمهد الطريق للتنمية والازدهار في هذه المنطقة المضطربة من العالم.
السعودية بملكها سلمان بن عبدالعزيز وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان تقود عملية إصلاح حقيقية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي حسب الرئيس الأمريكي الذي أدلى بهذه الشهادة على سمع العالم وبصره. أعتقد أن يوم 25 سبتمبر 2018 كان مشجعًا للخطوات الجادة التي تبذلها المملكة وفق رؤيتها 2030م. هذه الشهادة تحدث لأول مرة في الأمم المتحدة من رئيس أمريكي أوجد في خطابه الذي استغرق 35 دقيقة مكانًا للثناء على المملكة العربية السعودية. فهل كان ذلك -كما يردد أعداؤها ومنافسوها- بسبب العقود المليارية مع إدارة الرئيس ترمب، أم لأنه وجد فيها شريكًا حقيقيًا يمكن الاعتماد عليه؟
المؤتمر الصحفي للرئيس ترمب في اليوم التالي الذي استمر حوالي ساعة ونصف أجاب على السؤال السابق، فقد تحدث الرئيس للإعلاميين باسترسال وبنوع من الغبطة عن المؤتمر الإسلامي الأمريكي الذي استضافته المملكة، وقال إنه شكّل فرصة كبيرة له للقاء قادة العالم الإسلامي من الصف الأول، وأنه تعلّم منهم.
رغم كل ما يقال عن الرئيس الأمريكي فإن الإنصاف يقتضي الشهادة بأنه أدرك مبكرًا صدق القيادة السعودية مع نفسها ومع الصديق الأمريكي. فقد اعترف الرئيس في مؤتمره الصحفي بأنه لأول مرة يقال له إن مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط يتطلب حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية. الملك سلمان -الذي وصفه بالرجل العظيم- أبلغه بدون مجاملة بأن أمريكا إذا أرادت استقرار الشرق الأوسط فإن الطريق إلى ذلك يمر من خلال حل عادل للقضية الفلسطينية. وأضاف ترمب بأنه استقبل في ذات المؤتمر 12 رئيس دولة جميعهم أكدوا على ما قاله له الملك سلمان. أسست هذه المعلومة لقناعة راسخة عند الرئيس الأمريكي بأنه لا بد من حل للنزاع العربي الإسرائيلي. زاد على ذلك بأنه منفتح على دولة واحدة أو دولتين في مقاربته مع هذا النزاع المعقد، وأنه يريد حلالاً يرتضيه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي.
كيف يمكن أن نجمع بين هذه الرغبة التي عبّر الرئيس ترمب عنها بوضوح وبين ما اتخذه من إجراءات أحادية كاعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقله السفارة الأمريكية إليها؟ أزعم بأن هذه الخطوات الأمريكية -المدانة- ليست نهاية المطاف وإنما ستشكل منعطفًا حقيقيًّا في حل جذري لهذه القضية التي طال أمدها.
أي سلام قابل للتطبيق يتطلب قادة لديهم من الشجاعة ما يكفي لفرضه على أرض الواقع، وخطط الرئيس الأمريكي مرتهنة الآن بالانتخابات النصفية التي ستجري في نوفمبر 2018م التي يعتبرها استفتاءً على شعبيته ومدى نجاح إدارته في السنتين الماضيتين. إنه بحاجة إلى أصوات اليهود الأمريكيين وبخاصة في ولايتي نيويورك وفلوريدا ليعبر مضيق الانتخابات النصفية للكونجرس بمجلسيه، ولكنه لن يكون لعبة بيد إسرائيل أو جماعة الضغط الخاصة بها في بلاده فيما لو صادق الشعب الأمريكي على سياساته في إدارة البيت الأبيض.