عمر إبراهيم الرشيد
تصبح القراءة إدماناً مع طول ممارستها وتعاقب السنوات مهما استجد على القارئ من شواغل حياتية، ومهما استجد من ملهيات وبدائل تقنية أو ترفيهية على اختلافها، ذلك أن القراءة كممارسة راقية وعادة راسخة تصبح جزءاً أصيلا من شخصية صاحبها، وبها يخرج من دائرة شواغله وهمومه ونسق حياته الرتيب. قبل أيام كنت أمام مكتبتي المنزلية الصغيرة لأختار كتاباً أقرأه فوقعت على رواية (جين اير) للروائية الإنجليزية اميلي برونتي (1818- 1848)، هذه الروائية التي عاشت في القرن التاسع عشر ورحلت شابة في الثلاثين من عمرها إثر مرض السل، ونسجت أحداث روايتها الشهيرة وهي على فراش المرض مستلهمة تلك الأحداث من بيئتها المحيطة.
ما حملني على إعادة قراءة الرواية إذ إني قرأتها من قبل، هو نسختها المعتقة حيث إن الطبعة هي من إصدار إحدى دور النشر اللبنانية في سبعينات القرن المنصرم وتحديداً عام 1978، حصلت عليها على ما أذكر من معرض الرياض الدولي للكتاب، والنسخة معتقة بأوراق رملية اللون وهذا ما يجعل مجرد قراءتها متعة بحد ذاتها، إذ يستحضر قارئها زمناً جميلاً مفعماً بذكريات الطفولة الهانئة والهدوء الاجتماعي المفقود.
أحرص في كل مرة أدلف فيها مكتبة أن أبحث في زواياها لعلي أقع على مثل هذه النسخ المعتقة، والحقيقة أني نادرًا ما أجدها ولا غرابة في هذا، فهي إما أنها لم تعد تطبع ودور النشر أصدرت ترجمات وطبعات حديثة، أو أنها توجد في تلك الدور بكميات محدودة لا تصدر إلى الخارج. وعلى ذكر الروايات الكلاسيكية، فإن دور النشر الغربية والبريطانية تحديداً، ما زالت تعيد طباعة مئات الآلاف ومنها رواية (جين اير) هذه، وبنسخ أخاذة تجذب عشاق الكلمة وتجبرهم على اقتنائها وإن كانت مكتباتهم المنزلية تحويها، وأول طرق الجذب أغلفة تلك الروايات إذ يتم اختيار دقيق للوحة مرسومة أو صورة لمشهد من الرواية أو بطلها وبطلتها، مع نوعية ورق خفيف وطباعة فاخرة تجعل الكتاب خفيف الوزن يميل إلى صغر الحجم ما يجعله جذابًا للقارئ المتذوق للجمال في أدق صوره.
مفرح خبر إنشاء قيصرية أو سوق للكتب في العاصمة حتى يكون مقصداً لطلاب الحكمة وفرسان الكلمة وهو مطلب حضاري كي لا تكون مدننا خاوية، ونحن بانتظار إتمام هذه الجادة أو القيصرية، بحيث تكون تجمعاً وملتقى ثقافيًا واجتماعيًا راقياً على مدار العام ولا تحوي جديد المطابع فقط، وإنما الكتب المعتقة أيضًا، دامت لكم متعة المعرفة وصداقة الكتاب.