د.عبد الرحمن الحبيب
تعاملات إيران المالية معروفة على نطاق عالمي بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، حسبما تؤكد جهات دولية محايدة سيستعرض المقال بعضها، ويرفض النظام الإيراني توقيع المعاهدة الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال، ورغم ذلك يريد رفع العقوبات عليه من الهيئات المالية الدولية؛ لكن كما يقول المثل «لا يمكنك أكل الكعكة والاحتفاظ بها في نفس الوقت».
وحتى بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، أوضحت الهيئة العالمية لمكافحة غسل الأموال (فاينانشيال أكشن تاسك فورس-FATF) أنّ رفع العقوبات المالية مشروط بتحسن سلوك إيران التي لم تُرفع من «القائمة السوداء شديدة الخطورة»، محذرة البنوك الدولية من خطورة التعاملات المالية مع إيران. كما سبق أن أصدر «فريق العمل المعني بالعمليات المالية» المكوّن من الدول الصناعية، بياناً يحذر الدول الأعضاء من مخاطر تعامل مصارفها مع إيران بسبب علاقتها بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.. وذكر أنّ العمل لا يزال مستمراً بتدابير مضادة «لحماية النظام المالي الدولي من عمليات غسل الأموال المستمرة والكبيرة ومخاطر عمليات تمويل الإرهاب التي مصدرها إيران». أما مؤشر بازل الذي يقيِّم البلدان حسب خطورتها بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، فيوضح أن إيران كانت دائماً في مقدمة أخطر الدول، باستثناء عام 2013 كان ترتيبها الثاني.
هذا يجرنا إلى التباس شائع في فهم رفع العقوبات الدولية على إيران بعد توقيع الاتفاق النووي، حيث انصب التركيز الإعلام على عودة العقوبات الأمريكية على إيران بعد انسحاب أمريكا من الاتفاقية النووية مع إيران، وكأن العقوبات كانت مرفوعة بالكامل، بينما هي في الأساس رفع لعقوبات متصلة بالبرنامج الإيراني النووي وليس بعقوبات متصلة بغسلها الأموال وتمويلها للإرهاب.. فواقع الحال أن «إيران منبوذة مالياً» حسب تعبير الهيئة العالمية لمكافحة غسل الأموال.
ورغم المحاولات الإيرانية للامتثال لمعايير هذه الهيئة، وإصدارها بعض التشريعات الخاصة بذلك، فإنّ ثمة منظمات في إيران فوق القانون مثل الحرس الثوري والمجلس الأعلى للأمن الوطني، فيما يعاني النظام المصرفي من استشراء الفساد والتسييس وانعدام الشفافية، وهي علامات تجعل الاستثمارات الأجنبية تحاذر الدخول في إيران..
لذا، في الشهر الماضي، أعلن «حشمت الله فلاحت بيشه»، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، محذراً بأن استمرار إيران في عدم تصديقها على معاهدة FATF «سيتسبب بانسحاب مشروعات واستثمارات من البلاد.. وسيقيد تحركات إيران الاقتصادية، ولاسيما في دخول مصادر المنتجات النفطية..». بل إنه حذر من عزوف البنوك الروسية من التعامل مع إيران..
لماذا ترفض إيران التوقيع على معاهدة الهيئة العالمية لمكافحة غسل الأموال؟ لأن القائمين على المؤسسات الاقتصادية للحرس الثوري يرون أنّ انصياع الحكومة الإيرانية لهيئة FATF وتصديقها على معاهدتها، سيؤدي إلى بروز شفافية التحركات المالية للحكومة، ويكشف فضائحها، ويعرقل أعمالها الخارجة على القوانين الدولية. وحذّر اقتصاديو الحرس الثوري من أنّ «أنشطة الحرس المالية وشركاته التجارية ستتعرض لخسائر وأضرار في حال قبول هذه المعاهدة، ولاسيّما مع العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على شركات وبنوك الحرس الثوري».
خذ على سبيل المثال لا الحصر، الأسبوع الماضي، أعلنت الشرطة البرازيلية أنها أوقفت اللبناني أسعد أحمد بركات بتهمة جمع أموال لحزب الله اللبناني التابع لإيران وحيازة وثائق هوية مزورة.. وذكرت الشرطة البرازيلية أن «أفراداً في عصابة بركات قاموا بمشتريات بقيمة عشرة ملايين دولار، دون الإعلان عنها في كازينو بمدينة إيغوازو الأرجنتينية بهدف تبييض أموال مخصصة لصناديق حزب الله»، لكن هذه المبالغ وموجودات أخرى تم تجميدها من قبل سلطات الأرجنتين. هذه واحدة من مرات عديدة في أميركا اللاتينية يتم فيها إيقاف أعضاء أو متواصلين مع حزب الله مع كارتيلات المخدرات والأسلحة وغسل الأموال في أميركا اللاتينية..
إذا انتقلنا لمؤشر بازل (وهي منظمة في سويسرا غير حكومية وغير ربحية)، فهو منذ عام 2012 يقيس مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب للبلدان، جامعاً 14 مؤشراً تتناول لوائح مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومستوى الفساد والمعايير المالية والإفصاح المالي والشفافية والحقوق وسيادة القانون، وضمها في درجة واحدة من عشر درجات للمخاطر العامة. ويتم تحليل النتائج وفق منهج أكاديمي صارم، تحول بعدها لمحكمين دوليين وخبراء مستقلين لتقييمها.
توضح نتائج آخر تقرير لمؤشر بازل أنّ أعلى عشر دول خطورة لم تتحسن فعلياً طوال ستة أعوام، باستثناء السودان الذي أظهر تحسناً ملحوظاً، وخرج من قائمة الدول العشرة الأُول، حيث نقصت درجته من 7.85 إلى 7.0. أما أول دولة غسل أموال في العالم فهي إيران (بدرجة 8.60 من عشرة) تليها أفغانستان (8.38 درجة)، ثم على التوالي: غينيا بيساو، طاجكستان، لاوس، موزنبيق، مالي، أوغندا، كمبوديا، تنزانيا.
تتميز هذه الدول بأنها لا تلعب دوراً مهماً في النظام المالي العالمي.. وأهم علاماتها هو ضعف العناصر الهيكلية والوظيفية لمكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وضعف النظام القضائي وتطبيق القانون، وفقر مقاييس النظام المالي وانفلات التحكم فيه، وضعف الشفافية، إضافة لسوء الوضع السياسي. لذا فإنّ التعامل المالي مع هذه الدول وفي مقدمتها إيران يحتاج إلى الحذر، ويعد مجازفة عالية.