عبد الرحمن بن محمد السدحان
* أخي الحبيب مصطفى..
السلام عليك في مرقد الخلود، فقد رحلت عن دنيانا الفانية فجأةً، متأثراً بمرض لم يُمْهلك طويلاً، وكان رحيلُك المفاجئ رُزْءاً ثقيلاً وموجعاً لي شخصياً قلباً وحواسَّ ووجداناً، وامتد الرزْءُ إلى قلمي؛ فأصابه شيء من (شلل) الحرف؛ فلم أكتب عنك كلمة واحدة في حينه كتابةً ترضيني، وتسرّي عن خاطري!
* * *
* صرفني عن ذلك أكثرُ من سبب، أهمُّها أنني كنتُ حديثَ عهد بتجربة المستشفى تأثراً بمرض عنيد، يُعرف بـ(الحزام الناري)، أصابني قبل وفاتك بأيام معدُودات، ولم أكن قد أفقت بعد من آثاره وأضراره؛ فتأثرت بذلك تأثراً يشبه (الشلل)؛ فلم أعد قادراً على السير وحيداً، ولم أرافق جثمانك الطاهر إلى ساحة المدفن، واستقبلت المعزّين مع إخواني وأهلي في منزلي بالرياض، وانتهت أيام العزاء أيها الحبيب كما بدأت بائسةً حزينةً، لكن الإيمانَ بالله والتسليمَ بقضائه كان رفيق حزني عليك، ومنحني الله به سلوى للقلب وصبراً؛ فسلّمت بما أراد الله لك ولي ولكل محبّي سيرتك العطرة وذكرك الجميل في كل زمان ومكان!
* * *
* وبعد أيها الحبيب
رحلت عن هذه الدنيا وأنت زاهد فيها، عافّ عنها، ولم يغنك عن ذلك إلا إيمانك بالله، ثم كلفُك بـ(ترف) الفكر تأملاً وتعبيراً! كنت تلوذ بـ(الصمت) في مجالسك ومع جلسائك؛ فلا تتحدث إلاّ فيما تجد فيه فائدة. كان للكلمة عندك وزنٌ كبير، وحضورٌ أكبر؛ فلا تخوض في موج الحديث إلاّ قليلاً، وإذا نطقت استنفرت بطرحك ونبرة صوتك الهادئة الأسماعَ والقلوبَ حكمةً مرسلة، وتأملاً دقيقاً، ونطقاً هادئاً وسليماً.. لم يكن هدفُك إقناع الناس بما تقول، أو تفرضه فرضاً؛ فكلماتُك تعرف سبيلها إلى أذهان المستمعين إليك. لم يكن هدفُك أن تُوقرَ الأسماعَ بكلمات تحاكي صوت الرعد، بل كنتَ تهبط على الأسماع مثل شلاّل فوّاح بعطر الكلام!
* * *
* هكذا عرفتُك يا حبيبي مصطفى.. وهكذا عرفك سواي من الخَلْق! كنت صنفاً فريداً من البشر، لا يهمك من يتفق معك ومن يختلف، فذاك في تقديرك شأنٌ خاص لكل ذي شأن! لكن كان يشقيك ألاَّ يصغُوا إليك ثم يحسمُوا أمرَهم بعد ذلك بما يريدون!
* * *
* وبعد أيضاً..
اعذرني أيها الحبيب إن جاءت هذه النجوى متأخرةً؛ فظرف أخيك الصحي وقت أن داهمك المرض.. ورحيلك إلى فلك الخلود بعد ذلك بوقت قصير.. أعقبه شيء من الفراغ الصاعق في وجداني تأثراً بغيابك.. كل ذلك لم يتح لي حضور الذهن ولا صبوة القلم كي أرثيك بما أنت أهل له!
* * *
* وأختم هذه العجالَة بالدعاء إلى الله جلّ جلاله أن يجعل النعيم مقرك ومأواك، وأن يعوضنا عن فقدك بالرحمة الربانية لك، وأن يعصم قلوبنا جميعاً من بعدك بالصبر والسلوان.
والحمد لله رب العالمين.