سليمان الجعيلان
مصطلح المظلومية هو مفهوم سياسي، وموروث ديني، تمتد جذوره إلى فجر تاريخ البشرية، ويستخدم لتحقيق أهداف معينة في أوقات محددة، ويوظف كأداة ابتزاز للحصول على حقوق غير مستحقة، أو كسب القضايا بطرق غير مشروعة، وتزدهر فيه سوق المزايدات، وتنمو معه تصفية الحسابات.. هكذا عرفته الكتب السياسية، وتحدثت عنه المراجع الدينية. وبكل أمانة ومصداقية لم أجد عنه موضوعًا في المكتبة الرياضية؛ ربما لأن المظلومية لم تكن ظاهرة دولية، وإنما هي باتت ثقافة محلية، نجح أصحابها في افتعالها واستخدامها واستغلالها لتحقيق أهدافهم الخاصة التي كان -وما زال- شعارها أنا ومن بعدي الطوفان. وهذه إحدى مشاكل ومخاطر السماح بتفشي وانتشار ثقافة المظلومية في الرياضة السعودية بأن يبحث مدعي المظلومية عن مصالحه الخاصة حتى وإن كانت على حساب مصالح الرياضة السعودية العامة!!..
وحتى أكون مباشرًا، وأُسمِّي الأشياء بأسمائها، اسمحوا لي أن أسأل مَن تسبب في إخفاق منتخبنا السعودي في الكثير من مشاركاته الرسمية السابقة بسبب افتعال المشاكل داخل معسكره وبين لاعبيه.. أليس هي ثقافة المظلومية؟! ومَن تسبب في إسقاط هيبة اللجنة السعودية للرقابة على المنشطات بعد الصمود لفترة طويلة أمام جميع محاولات إضعافها وإفشالها، ومقاومة كل التحركات لإخضاعها وتركيعها.. أليس هي ثقافة المظلومية؟! ومَن تسبب في إفشال المشروع التطويري والتنويري للرياضة السعودية، وأعني تحديدًا مشروع توثيق بطولات الأندية، أليس هي ثقافة المظلومية؟! ومَن تسبَّب في ابتعاد وإحجام بعض الكفاءات الإدارية والخبرات الرياضية عن العمل في منظومة الرياضة السعودية أليس هي ثقافة المظلومية؟! ومن تسبب في التنازل والتهاون في تطبيق اللوائح والأنظمة على الجميع بكل عدل وسواسية، وتقديم الاستثناءات والتنازلات للبعض، أليس هي ثقافة المظلومية؟! ومن تسبب في العمل على إبطال قرار الاستعانة بالتحكيم الأجنبي في المباريات المحلية، الذي من شأنه تحقيق عدالة المنافسة في المسابقات السعودية، والاستماتة لعودة الحكم المحلي، أليس هي ثقافة المظلومية؟!
وأخيرًا وليس آخرًا.. من تسبب في تشويه التشكيك في تقنية الفيديو (VAR) الحديثة في مجال التحكيم التي بذل الاتحاد السعودي لكرة القدم جهودًا كبيرة بتوجيهات مباشرة من معالي رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة الأستاذ تركي آل الشيخ لتطبيقها في كأس دوري الأمير محمد بن سلمان؛ لتواكب وتساير رياضة كرة القدم السعودية المنافسات العالمية والمسابقات الأوروبية في تطبيق تقنية الفيديو التي أصبحت مطلبًا ومطمعًا لكل مَن ينشد عدالة ونزاهة التحكيم.. أليس هي ثقافة المظلومية؟!..
إذًا، وأمام كل هذه القضايا والأحداث، يظهر بكل اختصار وبكل تجرد أن مشكلة ومعضلة رياضة كرة القدم السعودية ليست في وجود ثقافة المظلومية، وحضور فكر المؤامرة عند بعض الرياضيين، وإنما المشكلة الحقيقية هي استجابة ورضوخ مسيِّري ومسؤولي الاتحاد السعودي لكرة القدم منذ سنوات عدة لتلك الثقافة المفتعلة وذلك الفكر المزعوم؛ وهو ما تسبَّب في إعاقة وعرقلة إنجاز وإنجاح الكثير من المشاريع التطويرية والنهضوية لرياضة كرة القدم السعودية سنوات طويلة بكل أسف!!..
عمومًا، يبدأ الاتحاد السعودي لكرة القدم في الأيام القريبة مرحلة جديدة، وبفكر مختلف، بقيادة رئيسه الجديد قصي الفواز الذي نتمنى له العون والتوفيق والسداد في تأدية مهتمة القادمة على أكمل وجه لتحقيق الأهداف والاستراتيجيات التي رسمها ويعمل لتحقيقها معالي رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة الأستاذ تركي آل الشيخ الذي يصارع آلامه لتحقيق آماله بأن تكون رياضة كرة القدم السعودية في مصاف الدول المتقدمة رياضيًّا، والمتفوقة كرويًّا..
لذلك الأستاذ قصي الفواز مُطالَب في البداية بوضع يده على مكامن القصور في عمل ومهام الاتحاد السعودي ولجانه؛ وبالتالي تداركها ومعالجتها، التي من أهمها التصدي لثقافة المظلومية، خاصة أن أصحابها اتخذوها سبيلاً وطريقًا للضغط على اتحاد القدم، ومحاولة التأثير على توجهاته، وتغيير قراراته؛ لأن أصحاب ثقافة المظلومية يتحركون ويعملون في إطار وتحت شعار الغاية تبرر الوسيلة!!