نيويورك - واس:
أكدت المملكة العربية السعودية أنها تقف على إرثٍ عظيم من المبادئ والثوابت التي ترتكز عليها سياستها الخارجية، وعلى رأسها الاتجاه الدائم نحو الحلول السلمية للنزاعات، ومنع تفاقمها، واعتماد جهود الوساطة التي تشاركها سمو الهدف وسلامة المقصد.
جاء ذلك في كلمة المملكة العربية السعودية التي ألقاها أمس معالي وزير الخارجية الأستاذ عادل بن أحمد الجبير أمام المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة والسبعين في مدينة نيويورك، وقال الجبير:
يطيب لي في البداية أن أتقدم بخالص التهاني لمعالي السيدة ماريا فرناندا اسبينوزا، لانتخابها رئيسًا للدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، متمنيًا لها النجاح في أداء مهامها.
كما أتقدم بالشكر الجزيل لسلفها السيد ميروسلاف لاجاك، رئيس الدورة السابقة على ما بذله من جهود، كما لا تفوتني الإشادة بالعمل الدؤوب الذي يقوم به معالي الأمين العام للأمم المتحدة السيد/ أنطونيو غوتيريس.
تقف المملكة العربية السعودية على إرثٍ عظيم من المبادئ والثوابت التي ترتكز عليها سياستها الخارجية، وعلى رأسها الاتجاه الدائم نحو الحلول السلمية للنزاعات، ومنع تفاقمها، واعتماد جهود الوساطة التي تشاركها سمو الهدف وسلامة المقصد، ولعل في اتفاق السلام الذي أبرم في مدينة جدة مؤخراً برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- بين دولتي إثيوبيا وإريتريا، الذي أنهى أطول نزاعٍ شهدته القارة الإفريقية. وكذلك رعايتها للاجتماع التاريخي بين قادة دولتي إريتريا وجيبوتي بعد قطيعة استمرت (10) سنوات، خيرُ دليلٍ على الدور السياسي المسؤول الذي تجسده بلادي لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.
كانت القضية الفلسطينية وما زالت هي القضية المحورية والجوهرية لبلادي وللعالم الإسلامي، مُنطلقة في ذلك من إيمانها بالحق الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، استناداً على قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، ومن هنا نجدد دعوتنا إلى تكثيف الجهود المخلصة لإنهاء أطول صراع تشهده المنطقة.
تواصل مليشيات الحوثي الإرهابية التابعة لإيران إطلاق الصواريخ الباليستية إيرانية الصنع والمنشأ تجاه مدن المملكة العربية السعودية، حيث بلغ عددها (199) صاروخاً، بالإضافة إلى أنشطتها المزعزعة لأمن وسلامة الملاحة البحرية في منطقة باب المندب والبحر الأحمر.
إن بلادي تجدد التزامها تجاه أهمية الحل السياسي للوضع في اليمن، على أساس المرجعيات الثلاث: (المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني، وقرار
مجلس الأمن 2216).
كما أننا مستمرون في تقديم وتسهيل كافة الأعمال الإنسانية لتخفيف المأساة التي يعيشها الشعب اليمني الشقيق، فضلاً عن حرصنا الكامل على دعم الاقتصاد اليمني، حيث كان آخرها وديعة بمقدار ملياري دولار، أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- للبنك المركزي اليمني، ليصل إجمالي الدعم الإنساني الذي قدمته المملكة خلال الأربع سنوات الماضية لليمن أكثر من (13) مليار دولار.
الإرهاب والتطرف من أهم التحديات التي تواجه العالم بأسره، حيث لم تسلم منطقتنا من تفشي التنظيمات الإرهابية، ونجدد دعوتنا في هذا الإطار إلى تكثيف التعاون الدولي للقضاء على كافة أشكال الإرهاب وتجفيف منابع تمويله، ومعاقبة من يدعمه ويغذي أنشطته بأي طريقة كانت.
إن جهود المملكة في هذا الشأن واضحة للجميع، فقد أنشأت بلادي مؤسسات تُعنى بمحاربة التطرف والإرهاب، وهي: المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)، والتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، الذي يشمل أكثر من (40) دولة، ومركز الأمم المتحدة الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي تبرعت بلادي له بمبلغ (110) ملايين دولار.
تواصل إيران أنشطتها الإرهابية وسلوكها العدواني، وتعرب المملكة عن دعمها للإستراتيجية الأمريكية الجديدة للتعامل مع إيران، بما في ذلك الجدية في التعامل مع برنامجها النووي، وبرنامج الصواريخ الباليستية، ودعمها للإرهاب.
إن المملكة العربية السعودية تؤمن أن تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، يتطلبُ ردع إيران عن سياساتها التوسعية والتخريبية. لقد قامت إيران بتشكيل المليشيات الإرهابية المسلحة، وتزويدها بالصواريخ الباليستية، واغتيال الدبلوماسيين، والاعتداء على البعثات الدبلوماسية، فضلاً عن إثارة الفتن الطائفية، وتدخلها في شؤون دول المنطقة. إن هذا السلوك العدواني يشكل انتهاكاً صارخاً لكافة المواثيق والمعاهدات الدولية، وقرارات مجلس الأمن، الأمر الذي جعل إيران تحت طائلة العقوبات الدولية.
في ظل جهودنا الحازمة والمستمرة لمكافحة الإرهاب، قامت المملكة العربية السعودية ومعها دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، بمقاطعة دولة قطر، فلا يمكن لدولة تدعم الإرهاب وتحتضن المتطرفين، وتنشر خطاب الكراهية عبر إعلامها، ولم تلتزم بتعهداتها التي وقعت عليها في اتفاق الرياض عام 2013م واتفاق الرياض التكميلي عام 2014م، أن تستمر في نهجها.
قطر تمادت في ممارساتها، وهو ما جعل من مقاطعتها خيارًا لا مفر منه.
في العام الثامن للأزمة السورية، ننظر إلى واقع إنساني لا بد لنا أن نقف أمامه بمسؤولية، فالمملكة العربية السعودية حرصت منذ اليوم الأول لهذه الأزمة على الإنسان السوري، وتحقيق تطلعاته ليعيش آمناً في أرضه، ومن هذا المنطلق فإننا نؤكد على ضرورة الالتزام بقرار مجلس الأمن (2254)، والوصول إلى الحل السياسي وفق مبادئ إعلان (جنيف 1). ولقد عملت المملكة على توحيد صفوف المعارضة السورية، ليتسنى لها التفاوض مع النظام بما يضمن أمن واستقرار سوريا ووحدتها، ومنع التدخل الأجنبي أو أي محاولات للتقسيم.
تقف المملكة العربية السعودية داعمة للشرعية في ليبيا، ولأهمية التمسك باتفاق الصخيرات، لحل الأزمة الليبية، وتدعو إلى الحفاظ على وحدة ليبيا وسلامة أراضيها. كما نؤكد على دعمنا لجهود الأمم المتحدة ومبعوثها السيد/ غسان سلامة.
تعتبر المملكة من أكبر الدول المانحة على صعيد المساعدات الإنسانية والتنموية، حيث بلغت نسبة المساعدات المقدمة من المملكة (3.7 %) من الناتج المحلي السعودي متجاوزة بذلك النسبة المقترحة من الأمم المتحدة والبالغة (0.7%) من الناتج المحلي.
إن النظام الدولي قائم منذ قرون على مبدأ احترام السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. إن الالتزام بالأعراف والقوانين الدولية أمر بالغ
الأهمية ولا يقبل جدالاً أو نقاشًا، فالسيادة خطٌ أحمر لا مساس به، وترفض بلادي أي تدخل في شؤونها الداخلية أو فرض أي إملاءات عليها من أي دولة كانت.
إن حكومة المملكة وبمتابعة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز (حفظهما الله) جعلت الإنسان محور التنمية، ومن خلال رؤية المملكة (2030) فتحت المملكة أبواب المستقبل لمواطنيها، وعملت على تمكين الشباب والاستفادة من إبداعاتهم، وتوظيف تقنيات العصر لخدمة التنمية، وجعل بلادنا بيئة استثمارية رائدة، وللمرأة في المملكة حضور مؤثر في كافة المجالات، وتمكينها هدفنا لتحظى بفرصتها الكاملة للمساهمة في التنمية.
إن رسالة المملكة العربية السعودية تقوم على الشراكة الصادقة مع العالم ليكون الحاضر مزدهراً والمستقبل مشرقاً، ولتعيش الأجيال القادمة بأمن واستقرار وسلام، ونتمنى لمنظمتنا هذه مزيداً من النجاح في تحقيق أهدافها السامية.
من جهة أخرى شارك معالي وزير الخارجية الأستاذ عادل بن أحمد الجبير بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأمريكية في اجتماع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية على هامش أعمال الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وجرى خلال الاجتماع بحث الأوضاع في المنطقة والتعاون القائم بين دول مجلس التعاون والأردن ومصر مع الولايات المتحدة الأمريكية.