د. محمد عبدالله الخازم
البعض يرى أن التوسع في تأسيس الجامعات بالمناطق والمحافظات كان عشوائيًّا، والبعض يطالب بإلغاء بعض الجامعات أو بعض التخصصات، والبعض يطالب بتحويل الجامعات الطرفية إلى تطبيقية أو تقنية.. إلى آخره من مقترحات، بعضها غير عملي، أو غير منطقي، أو يقف ضد عدالة توزيع التعليم العالي، أو ضد الرغبات الاجتماعية والإدارية للجامعات والمناطق... إلخ.
بغض النظر عن الحلول، أعتقد أن هناك مأزقًا لدى الجامعات والتعليم حول الآليات والطرق المناسبة لإعادة تنظيم هذا الأمر؛ لذلك أقدِّم مقترحًا مع مثال لتطبيقه، مدعيًا - كالعادة - أن «نقطة ضوء» تدلكم على المدخل، وعليكم إنارة بقية النفق. أطرح فكرة تأسيس كونسورتيوم (المصطلح الأجنبي - Consortium- له وقعه الأكاديمي!)، أو شبكة، ولاحقًا قد يتطور إلى نظام جامعات، كما يتم تسميته في بعض الدول (university system)؛ ليعمل على مستوى الجامعات والكليات والأقسام بالمنطقة. على سبيل المثال: يوجد في مكة المكرمة خمس جامعات حكومية (عبدالعزيز والطائف وأم القرى وجدة وسعود الصحية وفروعها)، والباحة ليست بعيدة عنها، تقدم نسخًا متشابهة ومكررة من البرامج الأكاديمية منافية مبدأ الترشيد والتكامل والتركيز. والنتيجة هي تكلفة عالية بمخرجات جودتها متفاوتة، وأحيانًا متواضعة، وبأعداد تتجاوز الطاقة الاستيعابية للسوق التوظيفية... إلخ.
لو أخذنا تخصصًا واحدًا - على سبيل المثال - هو العلوم الطبية، الأشعة أو المختبرات أو العلاج الطبيعي، سنجد أن كل جامعة بها علوم طبية، وتقوم بتدريس التخصص نفسه، بما في ذلك من تفاصيل مكررة. تحت مظلة الكونسورتيوم المقترح يمكن التفاهم على تقليص كل تخصص؛ ليكون - مثلاً - موجودًا بجامعتين فقط، وربما حسب نضج التخصص يمكن لجامعة ثالثة التركيز على الدراسات العليا. ويتم نقل أعضاء هيئة التدريس من الجامعات التي يلغَى فيها التخصص بسهولة؛ ليكون هناك تركيز في توافر الكفاءات بقسم أو مركز، يتيح له التميز بدلاً من تشتتها. وهنا بدلاً من أن يكون بكل كلية عشرة أقسام يمكن تقليصها إلى خمسة فقط؛ لتبني خبرات مركزة وقوية أكاديميًّا وبحثيًّا. النموذج يمكن تطبيقه على مستوى الكليات، كأن نكتفي بكليتَيْ طب أسنان مثلاً. الفكرة هي أن تُدرَس احتياجات كل منطقة، وتوحَّد بعض السياسات، ويُسهَّل انتقال أعضاء هيئة التدريس أو عملهم في جامعات أخرى بالمنطقة، ويُفتتح أو يُقفل أي برنامج بشكل مدروس بين جامعات المنطقة، بشكل يمنح كلاً منها قوة في مجال ما.
يمكن تطبيق النموذج في جامعات الرياض أو الشرقية أو الجنوب أو الشمال؛ ليكون لدينا أكثر من تجمع أو مجموعة أو نظام، يعاد هيكلة كلياتها وأقسامها بشكل متوازن وفق تفاهمات وتفاوضات بينها، وبدعم من وزارة التعليم التي يُطلب منها تجاوز دور الحارس للجامعات إلى المنظِّر والمحفِّز والمساعد ببعض الخطوات التنظيمية للتطوير الذي تتبناه الجامعات كمنظمات راشدة مستقلة في نقاشاتها وتحالفاتها داخل منطقتها، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة. لا نريد إقفال جامعة أو كلية أو تخصص بمنطقة ما، وإنما نريد إيجاد استراتيجيات تكامل وتناغم وتركيز على الجودة بكل منطقة، وعلى مستوى كل جامعة. مع ملاحظة أن هناك نماذج عالمية، يمكن الاطلاع عليها في هذا الشأن.