المدينة المنورة - مروان عمر قصاص:
أثبتت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد المؤسس المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود جدارتها بخدمة المقدسات الإسلامية ورعاية شئون زوارها من حجاج وعمار وهي المهمة التي شرف الله -عزّ وجلّ- هذه البلاد قيادة وشعبا وخصهم بها واثبتوا للعالم بما حققوه من تطوير ومنجزات للحرمين وللمشاعر المقدسة انهم يؤدون الأمانة كما ينبغي ولعل خير شاهد نجاح موسم الحج الماضي 1439هـ والذي كان حجاً ذكياً وناجحاً والذي حاز على إعجاب وتقدير الجميع.
وكانت عمارة البيت الحرام مأثرة جليلة من مآثر الدولة السعودية المباركة, ولم يزل ملوك هذه الدولة يجعلون العناية بالبيت الحرام, والمشاعر المقدسة في أولوية مهامهم, بدءاً من الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- والذي له قصب السبق في بدء أول توسعة للحرمين الشريفين في العهد السعودي, منذ أن تبني عقد أول مؤتمر إسلامي يلم شمل المسلمين, ويوحد كلمتهم, ويقوي صفهم, أمام تكتلات دول العالم المعاصر.. حيث سار الملك المؤسس على نهج عظيم في هذا الإطار, كان ولا يزال من الأسس الهامة في نهج قيادة هذه البلاد الطيبة, فاهتم بتحسين وتوسعة المسجد الحرام الشريف؛ ليواكب الأعداد المتزايدة من الحجاج والعُمَّار؛ فأولى هذا الأمر جل اهتمامه, ففي عام 1344هـ صدرت تعليماته -رحمه الله- بترميم المسجد, وإصلاح ما يجب إصلاحه من الجدران, والأعمدة, والصحن, وإنشاء مظلات واقية, كما وجه بعمليات ترميم إضافية في عام 1354هـ, إضافة إلى المتابعة المباشرة للإشراف على سير الحج, وإقامة حفل سنوي تكريماً؛ لرؤساء وفود حجاج بيت الله الحرام, ظلت سارية حتى في عهد أبنائه البررة.
الحج قبل العهد السعودي
أكدت مصادر التاريخ الموثق أن أحوال الحج وشئون الحجيج في منتصف القرن الثأمن عشر الميلادي من تدنٍ وأهوال, بلغت حدّ قتلهم, وسلب أموالهم, وحوائجهم, من قبل قطاع الطريق, أو موتهم جوعاً, وعطشاً, وبرداً. واستمرت الأوضاع على هذا النحو, حتى استردّ الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الحجاز, فأكّدت تصريحاته على أن تحرّكه صوب الحجاز لم يكن طمعاً في أراضيه, أو تسلطاً على أهاليه, وإنما كان لإعادة العدل, والاستقرار, والأمن, والاطمئنان لأهالي الحجاز, وحجاج بيت الله الحرام, وزوّار مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الحج في العهد السعودي
ومن مآثر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، حيث أثمرت توجيهاته الكريمة عن توفير كل أسباب الراحة لحجاج بيت الله الحرام, والمعتمرين, والزوار, والمواطنين. ففي عام 1345هـ/ 1926م, نوه المجلس البلدي إلى اعتزامه القيام بمشروع تبليط المسعى, وقفاً لتوجيهات الملك عبدالعزيز -رحمه الله-.
كما أولى الملك عبدالعزيز -رحمه الله- المرافق المائية جل عنايته, واهتمامه, فلم يقف عند حد إجراء الإصلاحات, والترميمات, والتجديدات السنوية في العيون التي أجريت قبل عهده الزاهر, مثل: (عين حنين, وعين زبيدة, وعين الزعفرانة, وعين التنضباوي) وغيرها, بل أجرى عيناً ثرة من وادي المضيق على بعد 45كم شمال شرقي مكة المكرمة, عرفت باسم الملك عبدالعزيز -رحمه الله-, فضلاً عن حفر آباراً جديدة, وإنشائه منظومة متكاملة من المرافق المائية, مثل: (الأسبلة, والمناهل, والصهاريج, والخزانات, والبازانات....), وعمل شبكة صرف صحي متطورة؛ مما أسهم ذلك بشكل كبير في التطور العمراني بمكة المكرمة, والمشاعر المقدسة, وسد الاحتياجات السكانية من المياه العذبة الصالحة للشرب.
ولم يغفل الملك عبدالعزيز -رحمه الله- عن توفير أسباب الراحة للحجاج, والمعتمرين عند وصولهم إلى مدن الحج, ومنها مكة المكرمة, حيث وجَّه بتشييد الفنادق, حيث افتتحت إدارة (الأوتيلات) أول فندق بمكة المكرمة عام 1351هـ/1932م, وفي عام 1373هـ/1953م, أصبحت شوارع مكة المكرمة, وأزقتها مضاءة لأول مرة بالكهرباء.
وزارة للعناية بالحجاج
كما تم تأسيس وزارة للاهتمام بشئون الحجاج كانت تعرف سابقًا باسم وزارة الحج هي إحدى الوزارات بالمملكة وتختص بشئون الحج والعمرة والأوقاف الإسلامية سابقًا ومنح التأشيرات للمسلمين القادمين إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج أو العمرة وتأمين وتسهيل انتقال الحجيج والمعتمرين من وإلى مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة والعمل على راحتهم.
ويعود إنشاء وبدء عمل وزارة الحج والأوقاف الإسلامية إلى عام 1365هـ وذلك عندما أصدر الملك عبدالعزيز مرسومًا ملكيًا يقضي على إنشاء مديرية الحج والحرمين الشريفين وتعيين الشيخ محمد بن صالح آل الشيخ مدير لها.
ثم توالت الخطوات للعناية بالحجاج من خلال تنظيمات مؤسسات أرباب الطوائف (المطوفين - الوكلاء - الإدلاء - الزمازمة)؛ قد بدأت لتبدأ معها خطوات متوالية من التطوير والانتقال من الخدمات الفردية إلى الخدمات الجماعية المنظمة فظهرت مؤسسات الطوافة الست فضلاً عن مؤسسة الإدلاء بالمدينة المنورة ومكتب الوكلاء الموحد بجدة ومكتب الزمازمة الموحد بمكة المكرمة.
ولقد حرص الملك عبدالعزيز عند دخوله مكة المكرمة عام 1343هـ أن يوجه نداء إلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها غرة شعبان 1343هـ 25 فبراير 1925م جاء في بعض فقراته: (إننا نرحب ونبتهج بقدوم وفود حجاج بيت الله الحرام من كافة المسلمين في موسم هذا العام 1343هـ ونتكفل بتأمين راحتهم والمحافظة على جميع حقوقهم، وتسهيل أمر سفرهم إلى مكة المكرمة من أحد الموانئ التي ينزلون إليها وهي: (رابغ - أو الليث - أو القنفذة) وقد أحكم فيها النظام واستتب الأمن، واستبشر المسلمون بهذا النداء الذي ترجم عملياً منذ ذلك التاريخ المجيد في إحداث نقلة اطمأن الناس إليها في بذر جذر الأمن العميم الذي ساد حتى الهضاب والقفار وبطون الأودية ومن الصعب سرد الإنجازات والمشروعات التي قامت في عهد الملك عبدالعزيز وأبنائه الملوك: سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله -رحمهم الله- وعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-.
وأقام الملك عبدالعزيز مدينة للحجاج عام 1371هـ وقد أنشئت بالقرب من ميناء جدة الإسلامي وهذه لفتة كريمة كما أنشأ مصنعاً للكسوة المشرفة حتى لبست الكعبة ثوبها الجميل عام 1346هـ.
لقب خادم الحرمين الشريفين
ولعل اتخاذ ملوك هذه البلاد لقب (خادم الحرمين الشريفين) والذي هو أحب وأقرب الألقاب إلى نفوسهم كمؤشر على عنايتهم واهتمامهم وأحسنوا القيادة منهجاً وتطبيقاً عملياً بحنكة وحكمة لتنظيم الحج على مدى أكثر من قرن من عمر الزمن.
بداية يتفق الجميع على أن خدمة الحجاج لا تقتصر على المشاعر فقط، بل تشمل مكة والمدينة وكل طرق وصول الحجاج براً، وبحراً، وجوّاً، والمنتشرة في مساحة بلادنا الشاسعة. وقبلها من خلال السفارات وعلى أن خدمة ضيوف الحرمين لا تقتصر على موسم الحج، بل تستمر شهور السنة للمعتمرين الذين تتزايد أعدادهم كل عام.
حج 1439-2018
في ختام موسم حج العام الماضي 1439هـ والذي حقق نجاحاً كبيراً رفع صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية, الشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظهما الله- وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا، على جميع التسهيلات التي قُدمت لحجاج بيت الله الحرام حتى وصولهم إلى صعيد عرفات الذي وقف فيه أكثر من مليوني حاج يبتهلون فيه لله -عزّ وجلّ- مقدمين للعالم أجمع أروع الصور الإسلامية والأخلاق والتسامح والسلام.
وقال سموه: «إنه تم تقديم صورة جديدة للإدارة والتقنية لتسهيل وسرعة إنجاز الإجراءات للحجاج عبر المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية لتفويج الحشود لتحقيق نجاح خطط هذا العام بشكل منقطع النظير, مشددًا على أنه يستطيع كل سعودي أسهم في خدمة الحجاج والمعتمرين بأن يفخر بما تقدمه المملكة في موسم حج هذا العام 1439هـ, مبينًا أن استخدام التقنية سهل وذلل الكثير من الأمور التي كانت تحول دون الخدمة الكاملة، داعيًا الله أن يتقبل من الجميع كل ما بذلوه من جهد ومن إدارة مميزة وعمل جاد مثمر وجدناه على الساحة وفي الشوارع والمخيمات والمنافذ والطرقات والنقل وفي كل الأمور التي تخص الحاج وما يقوم به المنفذ السعودي الذي يعتز بخدمة هذه الحشود التي توافدت من جميع أنحاء العالم».
استخدام التقنية ساهم كثيراً في نجاح حج هذا العام، وسوف نحرص بأن تكون جميع خدماتنا في المستقبل تعتمد على التقنية، بهذه الكلمات تحدث الأمير خالد الفيصل -حفظه الله- بعد نجاح خطة حج هذا العام ولله الحمد.. حينما تأتي هذه الكلمات من المسؤول فإنه يدرك تماماً الدور الكبير للتقنية في اختصار الوقت وتلبية احتياج الناس والمستخدمين بشكل خاص. نلاحظ هذا العام من البداية وانطلاقاً من هاكثون الحج إلى «أن المسار الإلكتروني» بدأ دوره الفعّال من تصريح الحج الإلكتروني، وحجز كافة التنقلات عبر موقع وزارة الحج والعمرة لتسهيل خدمات الحجاج قبل بداية أعمال الحج الفعلية، المجهود الكبير والملحوظ في إدارة وضبط أكثر من مليوني حاج في أرض ومكان واحد بلغات مختلفة ومن كافة أنحاء العالم لهو الشرف العظيم الذي شرف الله به بلاد الحرمين.
أيضاً ساهم استخدام التقنية في الحج في مسار «الحافلات الإلكتروني» حيث إن هناك أكثر من 18 ألف حافلة اتخذت المسار الإلكتروني ليتم معرفة مكانها ووقت وصولها للأماكن المتوجهة لها، ومعرفة عدد الحجاج الذين يتنقلون فيها، وبعدها يتم تزويد موظف وزارة الحج بتطبيق يساعده في ترجمة ما يحتاجه الحجاج غير الناطقين بالعربية من إرشاد وخدمات توجيه للحجاج.. وأيضاً هناك تقنيات استخدمت في الجمرات ؛ مثل الكاميرات الحرارية التي تحسب أعداد الحجاج الموجودين ويتم بموجبها معرفة الالتزام بخطط التفويج ومزامنة عدد من المجموعات وإغلاق الجسر إلى أن تعود المجموعة الأخرى تجنباً للاختناقات.
هذ وقد أجمع غالبية المراقبين ووسائل الإعلام المختلفة على النجاح الكبير ولله الحمد الذي تحقق في موسم حج 1439هـ الماضي والذي جاء ثمرة جهود مكثفة ورعاية شاملة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله- وكافة المسؤولين في الدولة الذين يحرصون على تنفيذ التوجيهات الكريمة اعتماداً على أن خدمة الحاج شرف لنا جميعاً.
الحجاج يؤكدون تطور الخدمات
وقد عبّر معظم الحجاج من مختلف الجنسيات في العالم والذين عادوا إلى أوطانهم شاكرين الله -عزّ وجلّ- أن أكرمهم بأداء فريضة الحج، شاكرين ومقدرين لحكومة المملكة العربية السعودية قيادة ومسؤولين وشعباً لدورهم في وضع جميع الإمكانات المالية والبشرية لخدمة الحجاج والعناية بهم وأكدوا أنهم لمسوا ثمرة هذا الاهتمام والبذل، وهم لا يعلمون حجم هذه الإمكانات التي سخرتها المملكة لخدمتهم، ومنها تخصيص أكثر من 300 ألف مواطن مدني وعسكري لخدمتهم، منهم 30 ألف طبيب ومساعد طبيب، وتخصيص 17 مستشفى لرعاية المرضى من الحجاج وتجهيز 550 غرفة (إنعاش) لإجراء العمليات الطارئة والرعاية الطبية الخاصة، مسخرة فقط لخدمة حجاج بيت الله مجهزة بكامل الاستعدادات.
وفي مجال البيئة والحفاظ عليها، فقد خصصت المملكة أكثر من 30 ألف عامل مهني لنظافة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة طيلة شهر الحج. وتقديراً لظروف المرضى الذين عقدوا النية للحج ولكن داهمتهم ظروفهم الصحية؛ فقد تولى خادم الحرمين الشريفين استضافتهم ورعايتهم في قافلة خادم الحرمين الشريفين للحجاج برعاية صحية خاصة ومجانية.
18 ألف حافلة مجهزة لنقل الحجاج
إن خدمة مليوني شخص من جنسيات ومذاهب وثقافات مختلفة في مدينة واحدة وفي مشاعر ذات مساحة صغيرة يتجمعون في نفس الوقت ويقومون بعبادات واحدة يتحركون في أوقات محددة مع ضمان سلامتهم ورعايتهم الصحية؛ يعتبر عملاً عظيماً لا يمكن ولن تستطيع أي دولة في العالم الإسلامي أن تقوم بمثل هذا العمل الجبار ومن الصور المشرقة المشرفة أن وزارة الحج والعمرة جهزت حوالي 18 ألف حافلة مكتملة التجهيزات لنقل قرابة مليون ونصف المليون من حجاج الخارج، منها 1696 حافلة جديدة تم توفيرها، حيث يتم سنوياً استبعاد عدد من الحافلات الملغاة نظاماً من الأسطول بسبب انتهاء عمرها الافتراضي حفاظاً على سلامة الحجاج خلال تنقلهم بين مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة أثناء أداء المناسك واستبدالها بحافلات جديدة كما أن مبنى الجمرات المتعدد الأدوار والمصمم وفق أدق وأعلى المعايير حقق انسيابية مريحة نحن إشراف تام من قيادات وزارة الداخلية حيث يستوعب 300 ألف حاج في الساعة.
كما جندت وزارة الشئون البلدية والقروية أكثر من (23000) فرد شاركوا في أعمال الحج لهذا العام وجهزت وزارة الصحة (15) مركزاً للمراقبة الصحية بمنافذ الدخول البرية والجوية والبحرية، وزيادة غرف العزل في العاصمة المقدسة والمشاعر المقدسة كما قامت الوزارة باستخدام وسائل التوعية المختلفة (شاشات عرض - لوحات إعلانية متحركة في مداخل المرافـق الصحية - تلفزيونات - أشرطة تسجيل بعدة لغات - المطبوعات - النشرات - الملصقات). كما هيأت الوزارة (25) مستشفى (4 بمشعر عرفات، 4 بمشعر منى، 7 بالعاصمة المقدسة، 9 مستشفيات بالمدينة المنورة، إضافة لمدينة الملك عبدالله الطبية بمكة)، ويدعم ذلك 155 مركزاً صحيّاً دائماً وموسميّاً في مناطق الحج والاستعانة بأكثر من 800 طبيب وممرض كما تقوم الوزارة بتجهيز (6) مهابط للطائرات الطبية.
لا لتسيس الحج
وأكدت المملكة وشددت على منع أن يكون الحج مناخاً للمزايدات السياسية من جميع الحجاج، وهذا المنع له أدلته سواء الشرعية أو العقلية، ولكن أذكر هنا الأدلة الشرعية لأنها أقرب للمسلمين عامة والحجاج منهم خاصة، وهذه الأدلة معلومة للجميع، ومنها: قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}.. يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله- في معرض تفسيره للآية: (هذا يدلنا على أن الحاج لا ينبغي له أن يرفث ولا يفسق ولا يجادل بل ينبغي له أن يشتغل بذكر الله وطاعة الله سبحانه وتعالى، والكلام الطيب النافع..
هذه جهود المملكة في حفظ حرمة الحجاج ومكة والمشاعر والتي يعترف بها الجميع وتنقلها وسائل الإعلام العالمية مباشرة، وبرعاية من وزارة الإعلام. فلا مجال لإنكارها أو التشويش عليها، ولا مكان لمزايدات إعلامية وافتعال صور إيذاء تنال فاعليها، ولا تنال المملكة وجهودها.
عناصر هامة وراء نجاح الحج
ولعل من أسباب هذا النجاح ولله الحمد هو توفيق الله -عزّ وجلّ- والنية الطيبة لقيادتنا وللمسؤولين وللجميع والتوجيهات المكثفة والمشددة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -رعاهما الله- وكذا الإشراف المباشر والدائم من لجنة الحج العليا ولجنة الحج المركزية ولا ننسى أهمية دور الخطط والدراسات والبحوث التي تواكب الاستعداد المبكر للحج وخدمة ضيوف الرحمن والدعم اللامحدود للصرف على خطط وبرامج الحج كما اسهم استخدام التقنية الحديثة لمختلف أعمال الحج وأيضاً نجاح حملة لا حج بدون تصريح وفوق كل ذلك الاستنفار التام وعلى مدار الساعة لكافة الجهات الحكومية لخدمة الحجاج.
100 بليون ريال لتوفير بنية تحتية للحج
وأكد أحد المراقبين لدور المملكة وعنايتها بخدمات الحجاج أنه لا يمكن لأية دولة في العالم أن تنفق أكثر من 100 بليون ريال لبناء بنية تحتية، وإنشاء مدينة متكاملة الخدمات، ومرافق حكومية، من مستشفيات، وشبكة اتصالات، وطرق، وأنفاق، لتعمل مدة أسبوع فقط من كل عام ومن ثم تغلق، سوى المملكة؛ من أجل خدمة الحجاج وضيوف بيت الله الحرام.
خدمة الحاج عقيدة تؤمن بها المملكة
ومما يلفت الانتباه أن المملكة لا ترى في خدمة الحاج مظهراً سياسياً أو إعلامياً تتخذه الحكومة من أجل أن تكسب رضا منظمات عالمية، إنما هي عقيدة تؤمن بها وتنفذها على أرض الواقع، من دون منة. وتجزل العطاء بسخاء منذ قيام هذه الدولة على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-.
ولم تستغل المملكة موسم الحج للترويج لموقف سياسي، أو للحصول على دعم من المنظمات الدولية من أجل موقف، عملت ولا تزال بصمت تحتسب الأجر من العلي القدير، ومن المعلوم أن تجمعاً لخليط من الناس في مساحة محدودة شرعاً، لأداء مناسك يتطلب تنفيذها في ساعات محددة وبلغات مختلفة، واختلاف ثقافات ومذاهب دينية، وبينهم أصحاب نعرات قبلية وطائفية، إضافة إلى ما يحدث في العالم العربي والإسلامي من اختلافات مذهبية وما فيها من أحداث سياسية في المنطقة، وأن تضبط كل هذه الجموع وتراعي كل الظروف السياسية أمر يحتاج إلى مهارة فائقة وحنكة وفن إدارة.
ثبات رسوم أرباب الطوائف منذ 40 عاماً
وربما لا يعرف الكثير أن رسوم خدمات مؤسسات أرباب الطوائف، من خيام في منى، وتنقلاتهم وخدماتهم، منذ 40 عاماً أسعارها ثابتة لم ترتفع، على رغم مطالبة هذه المؤسسات بزيادة الأسعار إلا أن الدولة ارتأت عدم تحميل الحجاج القادمين من الخارج أية زيادة أسعار، ويدفع كل حاج ما لا يزيد على 1029 ريالاً، أجور الخيام في منى وعرفات والتنقلات في مكة المكرمة والمدينة المنورة، على رغم ما صادف خلال السنوات الماضية ارتفاع الأسعار.
85 % من المخيمات لحجاج الخارج
وقد أولت حكومتنا الرشيدة اهتماماً بالغاً بحجاج الخارج، ومنحتهم كل التسهيلات والأفضلية في الخدمة، حتى حجاجها من المواطنين والمقيمين فيها لا يحصل على هذه الخدمات والتسهيلات 85 في المئة من مخيمات منى وعرفات، وجميعها لحجاج الخارج.. أما النسبة المتبقية هي لحجاج الداخل، لا يحظى حجاج الداخل من ميزة استقبالهم في مدينة متخصصة للحجاج في مطار جدة، ولا يحظى بالرسوم المنخفضة التي يدفعها حجاج الخارج، كلفة الحج بالنسبة للسعوديين والمقيمين تزيد على أسعار حجاج الخارج مئات الأضعاف، وحتى لا يتسبب حجاج الداخل في مضايقة من هم قادمون من الخارج، استحدثت العديد من الأنظمة والضوابط، وأقرت عقوبات لمن يتجاوز هذه الأنظمة، من بينها: عدم الحج إلا بتصريح من الجهات الحكومية، وشملت العقوبات الإبعاد عن البلاد للمقيمين المخالفين والسجن والغرامة المالية للمواطنين.
لا يمكن أن تقيم دولة مدينة حضارية متكاملة الخدمات تعمل مدة أسبوع فقط. فتجهز 200 ألف من رجال الأمن، وبكامل معداتهم الأمنية وأعلى تدريب وهي لا تحصل من الحجاج أي رسوم أو تفرض ضرائب أو تستحصل مبالغ تعيدها إليهم عند مغادرتهم واستكمالاً لتوفير أفضل الخدمات للحجاج وفرت المملكة ما يقرب من 3 آلاف داعية ومرشد دينى، 6 آلاف كشاف من جمعيات الكشافة المتطوعين، ألفي موظف جمارك، 2170 موظف طيران مدني، 10 آلاف موظف لشئون الحرمين، 1500 مهندس وفني كهرباء، و15 ألف عامل نظافة، 4000 عامل نقل مياه و11.777 فني صيانة وتشغيل.
كما تقوم الدولة بصرف مكافأة شهر للعاملين في الحج من رجال الأمن، كل هذا من أجل أن ينعم الحجاج بالأمن والأمان أثناء وجدهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة وفي مواقع الحج. السعودية فقط، تعالج الحجاج المرضى وتجرى العمليات في مستشفيات حكومية، خلال موسم الحج يراجع أكثر من 300 ألف حاج المستشفيات الحكومية ويحصلون على أدوية مجانية، وتم تصعيد 344 حاجاً من المنومين إلى الحج في سيارات إسعاف مجهزة بالكامل، حتى لا يتم استغلال الحجاج.
منع القطاع الصحي الخاص في المشاعر
وتمنع وزارة الصحة القطاع الخاص بالعمل في منى وعرفات وتحملت لوحدها بميزانية ضخمة تقديم العلاج للحجاج مجاناً، مع توفير كوادر طبية وأجهزة حديثة، هذه المستشفيات لا يستخدمها المواطنون بعد الحج بل تبقى مخصصة للحجاج فقط، إلى جانب المحال التجارية التي تنتشر حول المنطقة المحيطة حول الحرمين لبيع المواد الاستهلاكية والغذائية.
وتشمل الخدمات العلاجية التي تقدم لضيوف الرحمن: عمليات القلب المفتوح، والقسطرة القلبية، والغسيل الكلوي بنوعيه البريتوني والدموي، والمناظير الهضمية، بالإضافة إلى عمليات الولادة وغيرها من الخدمات الطبية المتخصصة التي يحتاجها المرضى الحجاج، حيث بلغ عدد المستشفيات العاملة 25 مستشفى داخل مكة والمشاعر مجهزة بأكثر من 4.814 سريرًا طبيًّا، ووصل عدد المراكز الصحية إلى 153 مركزًا مجهزًا بكافة الإمكانات الصحية والطبية والإسعافية، إضافة إلى 106 فِرق ميدانية في المشاعر وداخل مكة وخارجها، و100 سيارة إسعاف صغيرة، تعمل كوحدات عناية مركزة متحركة، للتعامل مع الحالات الإسعافية الطارئة في الميدان، بالإضافة إلى 80 سيارة إسعاف كبيرة عالية التجهيز.
10 ملايين وجبة مجانية
هناك أكثر من 10 ملايين وجبة مجانية، تحوي عصيرات ومياه وتمر ووجبات خفيفة، إضافة إلى وجبات ساخنة، تشارك في تقديمها جهات خيرية، من بداية دخولهم المنافذ السعودية وفي المشاعر المقدسة. تنتشر أكثر من برادة حصلت على ترخيص من الجهات الحكومية، لتقديم وجبات للحجاج، توزعت أكثر من 500 برادة مع أن هذه البرادات نافست المحال التجارية التي تبيع المواد الغذائية، وألحقت بها خسائر، إلا أن رغبة الحكومة في أن يحظى الحاج بأعلى الرعاية والاهتمام، هو هاجسها الأهم.