هالة الناصر
(ترانيم على روح جنى)
موت أي طفل يدمي القلوب، ومشهد جنى الشهري تلهو، فيعاجلها تيار كهربائي بالرحيل، يوجع، ويفتح ألف سؤال، وملفات محاسبة لمن تسببوا في الحادثة المفجعة.
الموت من المسلمات ولكن تختلف الطرق المؤدية إليه، وأقساها إهمال يقتل «براءة» كانت تغني فرحاً بيوم الوطن، تدندن بالأهازيج مع رفقائها، وتحلم بمستقبل زاهي وحياة مليئة بالنجاح، ربما رسمتها في مخيلتها لتحققها على مهل، غير أنها رحلت على عجل، دون ضغينة، وعلمتنا جميعا أن نرحل أنقياء بنهاية شاعرية، وهي تنثر أناشيد الوطن على «شارع الفن».
درس من فتاة صغيرة تلقنه الكبار، بأن الحياة قصيرة، لا تتسع لشحناء أو بغضاء، إنما لصفاء نية كان حريا به أن يجعلنا نستحضر الضمير والمسؤولية حتى لانهمل في عمل قد يذهب ضحيته إنسان بريء والأدهى والأمر قد يذهب ضحيته طفل!
وثمة درس آخر يقول إن لا أحد يأبه لأسهل الطرق المفضية إلى الموت، ويكون الاهتمام دائماً بعد وقوع الكارثة، فكم أسرة فقدت ريحانتها.. أمهات وآباء ضاعت فلذات أكبادهم بصعقات كهرباء، وغرق في منهولات صرف صحي، وأحواض سباحة في بعض المدارس، وآخرين لقوا حتفهم منسيين في حافلات النقل المدرسي، فكلها نماذج ذرفت المآقي الدموع حزناً عليها، وعزاء أهلهم أنهم عصافير الجنة، وشفعائهم يوم البعث، أما المتسببين في الحوادث المختلفة فينتظرهم السؤال في الدارين، وحساب الآخرة أشد.
وليلتفت كل منا إلى ما قدم من عمل، هل أنجز ما يسند إليه بضمير؟، وهل يملك من السماحة ما يجعله مصدراً لسعادة الآخرين، أم مدخل حزن وشقاء لهم؟.
لا أحد ناج من حساب، ولا روح باقية على الأرض، وإنما الجميع صائر إلى ما صار إليه السابقون، فهو بهم لاحق، فلتكن نهاية حياته حسنات ترجح ميزانه، وليس كوارث تكتب على صحيفته وتورده المهالك يوم لا ينفع مال ولا بنون،
وسلامة القلوب هي مدخل لحب الخير بلا شك، كارهة للشر، وجلة مما ينتظرها يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت. وراحة الضمير لن ينالها إلا من نام وليس في قلبه ضغينة على أحد، فكيف به إذا رحل وقلبه ينبض بحب الحياة السعيدة للناس، شكرا ياجنى كنت منذ سنوات أشعر بصلابة قلب تمنعني من البكاء وتقلقني بأن عواطفي جفت واليوم مع صوت حشرجات بكاء والدتك بكيت معها وتخيلت ماقبل وفاتك بدقائق لو حضر ضمير كل صاحب عمل لسلمت قلوب أمهات كثر من الكمد على أطفالهن!