زكية إبراهيم الحجي
الجمال نعمة وهبها الله سبحانه وتعالى للكون والإنسان.. فكل ما يستهوي القلب ويثير الحس ويحرك الدهشة مع الرضا والإعجاب فهو جميل.. والجميل في الجمال أن المبدعين ولاسيما الأدباء والشعراء تنبهوا لذلك فطُرزت كتاباتهم وأشعارهم ببديع البيان وتناغم الألفاظ وسحر المعاني المفعم بسحر الشعور ونبض الوجدان.
الفردوس الذي حُكِم عليه بالفقد.. ليست أرضاً فُتِحت ثم ضاعت في خضم حروب تشوه التاريخ وتحت معاول استعمار يدفن التراث بل هي رمز العقل الذي أهملناه فغادر الأرض الأم ليستقر في أرض حضارة رفيعة أنشأتها أيادي الفاتحين المسلمين في مدنها فكانت كوكباً لامعاً يضيء سماءها بعد ظلمة حالكة.
الأندلس التي أبحر إليها الأدب العربي مع إبحار فاتحها المسلم طارق بن زياد كان رافداً من الروافد التي صبت في الأدب الأسباني بوجه خاص وفي الآداب الأوروبية بشكل عام.. فخلف ذلك بصمة واضحة ورائعة في تاريخ الأدب العربي خلال تلك الفترة وما زال التأثير باقياً ما دفع الفيلسوف الإنجليزي «هنري ماور» إلى أن يقول: التأثير العربي على حضارة الشعوب الأوروبية لم يقف فقط عند حد الفنون الجميلة التي كان التأثر بها واضحاً وإنما امتد كذلك إلى الموسيقى والشعر.
ألهبت طبيعة الأندلس الجميلة قرائح الشعراء.. فرسموا لوحات شعرية أودعوها أخيلتهم وعواطفهم.. ومن ذلك أن عبد الرحمن الداخل رأى نخلة شمال قرطبة هيجت حنينه إلى أرضه وأهله وقومه فلم يصف طولها أو التفافها ولا حتى ثمرها وإنما عقد بينه وبينها شبهاً في النوى والبعد عن الأهل.. فخاطبها قائلاً:
ولو أنها تبكي إذًا لبكت
ماء الفرات ومنبت النخل
واللافت حقيقة أن بعض الأشعار تميل إلى النزعة القصصية كقول أحدهم في سفرجل تتبع وصفه مذ كان يختال على فروع أشجاره إلى أن ذبل في بطن راحتيه.. كانوا يستلهمون قصص شعرهم من معانقة الطبيعة العذراء فيأتي المشهد الشعري كلوحة تشكيلية ألهبتها بالجمال أحاسيس الشاعر.. أيضاً كان الغزل من أبرز الفنون التي يستهل بها الشعراء قصائدهم أو يأتون به مستقلاً.. فالمرأة في شعرهم صورة من محاسن الطبيعة الخلابة التي ميزت أرض الأندلس، وفي ذلك يقول»المقَّري»: إذا تغزلوا صاغوا من الورد خدوداً ومن النرجس عيوناً ومن الآس أصداغاً ومن قلوب اللوز مباسم وكأنه
البرق يبدو حين يبسم ثغرها
فيضيء سقف القصر بالجدران
إنه المشرق موطن التأسيس والتأصيل.. والأندلس موطن الامتداد والاستمرار للأصل.. ورغم المسافات الفاصلة بين المشرق والأندلس هناك جسور قوية متينة ووشائج وثقى جاوزت كل الحدود الجغرافية لترتبط الأندلس بالمشرق المشحون بالعاطفة الجياشة وتأثيرها في كل إبداع يذيب فيه الشاعر همومه.. ونبض وجدانه من خلال القوافي العذاب.