د. محمد بن إبراهيم الملحم
الأطفال والطلاب في الأعمار الأكبر سناً غالب حالهم أنهم يحملون قلوباً خضراء بخضرة علم وطنهم الذي يقفون أمامه يومياً في الطابور الصباحي ليؤدوا تحية العلم وينشدوا النشيد الوطني، وهي ممارسة يومية ربما كانت أبلغ أثراً من كل دروس مادة التربية الوطنية، هذه الخضرة اكتسبت لونها منذ وعيهم لأول مرة لمفهوم الوطن أو البلاد التي ينتمون لها، رسالة يستقبلونها غالباً من والديهم عندما يبدأ حديث عن البلدان الأخرى والانتماء والهوية، وتستمر معهم في تطور مفاهيمي ومعرفي متنام بتقدم معارفهم ومعلوماتهم التي يكتسبونها عن بلادهم وتاريخها وسيرة رجالها ومواقفهم، تبدأ بذرة صغيرة في نفس حجم مفهوم «الأنا» الذي تحدث عنه علماء النفس التربوي كمكون رئيس لوعي الطفل النفسي في بداية تخلق مفاهيمه الاجتماعية ثم تنمو هذه البذرة لتشمل مفهوم نحن كأسرة ونحن كأصدقاء لفهم ما هو انتماؤنا الأكبر من حجمنا الذي نراه، ثم يستمر النمو حتى يصل إلى مفهوم المصير الواحد والواجبات والمسؤوليات كأعلى رتبة في سياق المعنى المعرفي لـ «الوطن»، ثم يظهر للطالب في مراحل نضجه المعرفي والتكوين الشخصي اللاحقة مفاهيم المواطنة (سلوك المواطن الصالح) ومفاهيم الوطنية (ولاء المواطن الصالح) وهنا يكون التحدي الأكبر في مقاومة الأصوات الخارجة عن السياق فالمواطنة تواجه تحديات كثيرة أبرزها سلوك ترهل أداء الموظف الحكومي، وسلوكيات السخرية من المحافظين على مظاهر النظام والانضباط، وسلوكيات الاستخدام البشع للمرافق العامة، وعدم التمشي بتعليمات المحافظة عليها، وسلوكيات متنوِّعة من هذا النمط كلها تنخر في مساحة المواطنة التي تكونت في ذلك القلب الأخضر ليفقد خضرته رويداً رويداً... بل ربما تظهر بقع ألوان أخرى هنا وهناك! ويتكرّر نفس السيناريو بطريقة أو بأخرى مع مفهوم الوطنية (وهنا الخطورة) لتشوّه الأصوات النشاز خضرة القلب بشبهاتها وثرثرتها وتشكل امتحاناً حقيقياً لوعيه وقدرته على التقييم والتمحيص كي ينجو من هذا الوسواس المزعج والذي إن استجاب له قضى على ما تبقى من خضرة قلبه ليتحول إلى لون مغاير تماماً أو ربما كان خليطاً غير متجانس لألوان مزعجة.
القلوب الخضراء الصغيرة بخضرة الوطن أمانة في أيديكم أيها المعلمون وكل من يعمل في المدرسة: القائد (المدير) والوكيل والمرشد ومشرف النشاط والمشرف التربوي ومدير التعليم، ولا تكفي مادة التربية الوطنية للحفاظ على خضرة هذه القلوب، بل لا بد من العمل على تفعيل الأنشطة والممارسات والفعاليات المستمرة لتعزيز هذا الشعور والمحافظة عليه، لا بد من ابتكار الأساليب الجديدة، والتفكير خارج الصندوق، فالمادة الدراسية، والأنشطة المكررة، لا تكفي للإجابة على تساؤلات الطلاب، أو لتكريس سلوكهم الإيجابي نحو وطنهم، وأتمنى ألا يقتصر هذا على فعاليات المرحلة الابتدائية للطلاب الصغار فقط، بل لا بد من العناية بالطالب الأكبر سناً والاستماع إليه وإجابة تساؤلاته وملء الفراغ الذي إن ترك سوف يملؤه آخرون خارج المدرسة بمفاهيم غالطة أو مشوّهة.
القلب الأخضر حماية ووقاية لهذه البلاد من الخيانة، أو شبه الخيانة حينما يغوى الشاب المواطن فيتعاطف أو يتعاون مع المفسدين في الأرض، القلب الأخضر حفاظاً على بلدنا ومقوماته ببذل الجهد في رعاية ما يقدمه الوطن لأبنائه من موارد ومكتسبات، القلب الأخضر تطور ونماء وازدهار، حيث تظهر الإبداعات لصالح الوطن وتسخر الطاقات الذهنية والمعرفية لصالح بنائه وتطويره والدفع به في منافسة دولية ترتقي به وتحافظ على استقراره الاقتصادي وكيانه الدولي، القلب الأخضر هو رفاهية وأمن واستقرار وبدونه لا يمكن أن يشعر الإنسان بقيمة الوطن وجمالياته... وكل يوم وطني وقلوبكم خضراء نقية.