د. خيرية السقاف
من المفارقات المدهشة أن إنسان العصر, مع معطيات الواقع غدا أكثر استقرارا في حركة جسده, أن الأطباء لم يقف عليهم فقط شأن توجيهه للمشي, وممارسة الرياضة, تجنبا لهذا التدفق على مراكز, وعيادات العلاج الطبيعي, والرياضة الطبية, وأقسام التغذية جراء قلة حركته, وثباته دون حركة, واستخدامه الأجهزة المثبطة لحركته, حتى في التنقل الآلية, بما فيها لصعوده, ونزوله, وسرعة قطعه المسافات على المسارات المتحركة تحت قدميه في المطارات ونحوها..
نعم لم تقف النصائح المقدمة بضرورة الحركة عليهم هؤلاء الأطباء, والأخصائيين بل تكثفت, وتقاطرت في وسائل التواصل, وتطبيقات اليوتيوب عن كلِّ من «هبَّ ودبَّ» من أنحاء الأرض, وبمختلف اللغات, وعجائب اللقطات ليكونوا له ناصحين, أمينين على «حياته» سليما من أمراض قلة الحركة, ومبتكرين له العلاجات الغريبة المدهشة للسمنة, وآلام المفاصل والعضلات, والأقدام, بل الاكتئاب الذي يكون بسبب العزلة التي هي من دواعي عدم الحركة, وقلة النشاط الجسدي..
لكن لماذا يدعي الإنسان السرعة, واللهاث, والانشغالات, وفوات الأوقات, وتسرب الزمن من بين أصابعه, و..و..و
وهو مع الركون, وقلة الحركة, وقلة النشاط البدني, إلا أن واحدا وهو يتحدث مع أحدهم لا يسمع منه إلا عبارة» نحن نلهث, نركض, في عجلة من أمرنا, يأكلنا الوقت, تفاجئنا الأيام, تتسارع بنا الأوقات» !!..
ويغيبون عن بعضهم, ينسى القريب قريبه, والصديق ملامح رفيقه, والصغير يكبر فيفاجئه طولا وعرضا, والمسن يموت فيتحسر أنه لم يره, ذهنه مشغول, وقلبه تائه, وأموره في تلاحق, ودنياه غريبة, لكنه لا يتحرك!! ..
يشكو سمنة التراخي, والجلوس أكثر من المشي, والاعتماد ليس على قدميه, وحذاؤه صقيل لم تمسه أتربة الطرقات !!..
يشكو بُعد القريب, وطول المسافات, ورهق الحياة, ومروق الأوقات
فكيف؟!..
ما الذي يجعل الوقت يتسارع وهو بطيء, ويمضي وهو جالس, وبسرعة البرق وهو ساكن؟!..
ما الذي يرغمه على زيارة طبيب الجسد ليتخلص من السمنة وليدة عدم الحركة, بينما كل الوقت يمرق به سريعا بعافيته التي تجعله يمضي به وهو لا يقوى على اللحاق به؟!..
يا للمفارقات المدهشة !..
يدعي الإنسان سرعة الوقت يمر به, وهو ساكن لا يواكب حركته الفتية!!..