عبدالعزيز السماري
انتشرت صور ومقاطع لحدائق واحتفالات شبابية في اليوم الوطني، وكان يجمعهما عامل الخروج عن النظام والذوق العام، فأرضيات الحدائق كانت مغطاة بأكياس البلاستيك ومخلفات المشروبات والأغذية، بينما كانت ممارسات بعض الشباب مؤذية للمارة، وهو ما يعني أن علينا الوعي ببعض الأخلاقيات غير المبالية والمنتشرة بين بعض الفئات.
تدخل مثل هذه الممارسات في سيكولوجية الجماهير، وأعني بذلك حين يجد السلوك الفوضوي والسيئ مساحات لإطلاق فوضويته في ظل غياب العقوبة، فإن الآخرين يتبعونه، وعادة ما ينتشر السلوك الفوضوي مثل انتشار النار في الهشيم، ويؤدي ذلك إلى أضرار وخراب كبير إذا تُرك بدون ضوابط وعقوبات..
يدخل ذلك أيضاً في بعض الممارسات اللامسؤولة في الشوارع العامة، ومثال ذلك رمي قوارير المياه وعلب المشروبات الغازية على الأرصفة والشوارع، فالبعض يمارسها لأنه يرغب في أن يكون متحرراً من القيد أو الرقابة، وينم ذلك عن حالة نفسية اجتماعية خطيرة، وقد كانت قيادة السيارات في شوارع المدينة إلى زمن قريب خطرة للغاية، وكان من إيجابيات كاميرات ساهر أن حدت من بعض التهور في قيادة المركبات.
الأمر لا يتوقف عند هذه الممارسات، فالأمر يتجاوز ذلك إلى الانضباط في الأسواق وسوء السلوك في أماكن العمل، فالمجتمع أو المؤسسة أو الشركة إذا لم تعاقب مخالف النظام والمسيء أو الفوضوي أو غير الملتزم بالنظام، فإن ذلك يعني مباركة السلوك المشين، وعادة ما يؤدي ذلك إلى مزيد من الخروج عن الذوق العام، وعن أخلاقيات الفرح وأخلاقيات التسوق وأخلاقيات العمل.
الالتزام بالأنظمة في أماكن العمل وداخل المجتمعات الصغيرة كالأسرة والقبيلة والقرية هو نوع من إصلاح الإنسان، فالمرء يجب أن يتعلم من الفصول الأولى في المدرسة أن يلتزم بالنظام، وأن يكون سلوكه منضبطاً، وجانب من التسييب والتمرد الأخلاقي جاء من تسييس حسن المعاملة في مراحل سابقة، فالمعاملة المثالية واحترام الآخر يتطلب تطابقه مع مواصفات محددة وانتقائية، إما أن تكون دينية أو فئوية أو قبلية، ولهذا يعاني بعض النساء والأجانب من سوء معاملة بعض المتهورين.
من أجل إعادة بناء الأخلاق لابد من تفعيل تطبيق العقوبات للمخالفين للنظام العام في الشارع أو السوق أو مكان العمل، وفي ذلك إصلاح عظيم، فالمذنب في حق المجتمع لا يجب التستر عليه، فاحترام القوانين يبدأ أولاً من وعي المواطن، وذلك بالتبليغ عن المخالفات التي تكاد أن تعصف ببعض المكتسبات، وثانياً بتفعيل دور مؤسسات الرقابة المحايدة.
وأخيراً لا تنهى عن خلق وتأتي مثله، وينطبق ذلك على المواطن أياً كان موقعه، فالالتزام يبدأ من مختلف الجهات، والعقوبة لا يجب أن تستثني مسيئا عن آخر، وعلينا أن نعي أن الامتثال الذي نشاهده في دول متقدمة سببه القوانين الصارمة، والتي في حدها الفصل بين الجد والهزل، وقد أصبحت بالفعل خير أداة لعسف بعض السلوكيات الفوضوية في الشارع أو الحديقة أو أماكن العمل.