د. جاسر الحربش
توجد حاجة في كل مجتمع إلى جرعة التشارك في مشاهدة الجمال، والسماع إلى حلو الكلام، ولكن بشرط ألا يقدم أصحاب هذه المواهب/ الهبات إلى رموز (أيقونات)، يجعلها الشباب من الجنسين القدوة والوسيلة والغاية للنجاح الرخيص. النجاح الرخيص هو الوصول إلى الشهرة والمال بمواصفات جسدية أو لسانية أو كليهما، دون إضافات فكرية أو إنتاجية.
ما يجب أن تستحضره كل شابة ذهنيًّا هو أن عنوسة الرجل قد تمتد إلى ما بعد الأربعين، لكنه يستطيع الزواج بسهولة عندما يقرر الزواج. أما بالنسبة للمرأة فالوضع مختلف. وفي البيوت عشرات الألوف من العوانس يشهدن على ذلك في طريقهن نحو الأربعين.
في القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي يكثر الاهتمام بالرموز الأنثوية والذكورية التي تقدم كأيقونات أو نماذج للنجاح رغم أنه لا علاقة لنجاحها بأي مردود عملي غير الانتشار النجومي. السؤال هو عن صلاحيتها لتكوين حياة زوجية مستقرة، وخصوصًا فيما يخص النماذج الأنثوية بسبب ما يداخل نجوميتهن من الشائعات. قد يكون في طرح هذا الموضوع مغامرة غير محمودة العواقب، أقلها رمي الكاتب بتلك الدعامات الاصطناعية التي انتشر كبسها ولصقها على مختلف أجزاء جسد المرأة لزيادة الأنوثة، بدءًا من الشعر المستعار، والرموش المعقوفة، والأظافر القططية، وصولا إلى ما لا لزوم لذكره.
في مرحلتنا التمكينية الحالية فقد الرجل كثيرًا من سلطاته التقليدية التي كان منها الكثير من أسوأ أنواع الاستغلال التسلطي، لكنه فقد أيضًا الكثير من مسؤولياته القيادية في المنزل والمجتمع. بالمقابل جمعت المرأة حصانات واستحقاقات تفيض عن الحاجات التربوية التكافلية بما قد يصل أحيانًا إلى مفاهيم فوضوية للحريات الشخصية، والمغامرة بالعزوف عن الزواج والاستقرار؛ ليحل الندم وعض الأصابع بعد مغادرة القطار بدون عودة. أمران لا بد من ذكرهما استثناء: الأول أن المرحلة انتقالية حتى يهدأ الابتهاج الأنثوي بالانعتاق من التسلط الذكوري، ويستقر على مستويات معقولة، ولكن - للأسف - سوف يكون للفترة ضحايا عنوسة وطلاق. الأمر الثاني هو أن نسبة المهرولات والمهرولين في هذا الاتجاه ليست أغلبية ولا كثيرة، لكنها - للأسف - تحولت إعلاميًّا وتواصليًّا إلى رموز للمراهقات والمراهقين وخفيفي الإدراك لاشتراطات الصحة الاجتماعية المتناغمة لما بعد المراهقة. الاختبار الحقيقي للنجاح النوعي في الحياة يعلن نفسه عند اختيار شريك العمر المطمئن، من أي نوع يكون؟ وكم يدوم الزواج؟
قم بجولة في طواقم القنوات البريطانية والفرنسية والألمانية والصينية، وكل ما يخطر على البال من فضائيات الخبر والثقافة والتوثيق، وابحث عن الأناقة المتصنعة والجمال السينمائي في الطواقم، فلن تجد شيئًا من ذلك. ما سوف تجده هو المظهر المقبول والحضور المحترم. في النوع الموازي من قنوات الترفيه عندهم سوف تجد النقيض، والتركيز على المفاتن والجاذبية الجسدية، وفضائح المشاهير، وجمع الأموال، ولا شيء غير ذلك. انتقل الآن وألق نظرة على طواقم القنوات العربية، ومنها الخليجية، أي تلك التي من المفترض أنها للخبر والتثقيف والتوثيق، وسوف تفاجأ بالأعداد الكبيرة من ملكات الجمال، ومن نجوم الوسامة، ومن الاهتمام الزائد بالأناقة. أحيانًا أشاهد برامج مخصصة لشؤون المرأة العربية في القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية عندما تستضيف خليجيات مع عربيات أخريات. يلفت النظر الفارق بين الطرفين في الاهتمام بالمظهر الخارجي، وكمية المساحيق وتسريحة الشعر، مع التحفظ على الأداء اللغوي والثقافي.
أما عن المعروض في برامجنا الترفيهية المحلية والتثقيفية (افتراضًا) فلن أزيد عن تشبيهها بمعارض أزياء وتأنق على حساب الناتج الفكري والثقافي والترفيهي. ما هو المهم في الموضوع؟ المهم للصحة الاجتماعية هو الحد من ترويج أيقونات ورموز أنثوية ورجالية، تتحول اجتماعيًّا إلى مفاهيم سائدة للنجاح والشهرة الاجتماعية. على فكرة، كم وصلت حاليًا نسبة الطلاق عندنا في السنة الأولى بعد الزواج؟ وما هي الأسباب؟ أليس ضمن الأسباب التسطيح الإعلامي لفهم الحياة؟