د. خيرية السقاف
ذهب الناس أمس لأعمالهم, ومصالحهم, وتعليمهم, واستشفائهم, ومختلف أمورهم بنفوس مطمئنة, مبتهجة, مليئة بالثقة, مستقرة بالاطمئنان؛ ذلك لأن اليومين السابقين لم يكونا عيدًا للوطن فقط, وإنما كانا رافدين لوطن، تدفق لهم بكل ذلك..
ربما يكون السؤال وجيهًا لكل فرد في منظومة الوطن: ما الذي تفعله أنت للوطن لا لذاتك؟ وما الذات دون الوطن؟!..
ليست فذلكة, ولا سؤالاً يلقى على عواهنه, ولا لمجرد الكتابة يكون طرحه!!..
بل لأنه خاتمة اليومين, محطة التفكر, والتأمل, ووقت الإجابة!!..
فما كان عليه الجميع من ابتهاج إنما هو عطاء الوطن بكل كياناته, قيادته, نظامه, أمنه, سيادته, قوته, مقدراته, مشاريعه, اقتصاده, جنوده, إمكاناته, مؤسساته, منجزاته, والإنسان فيه الذي هو أنت الفرد, والكل فيه.
ففي الوقت الذي تدور فيه عجلة الوطن في مسار التجديد, والتنمية, ومواكبة المنجزات العالمية, وسن المعايير, والضوابط لتمكينه من قمة القوة, وريادة العالمين العربي والإسلامي تقدمًا, وإنجازًا, وعدة, وعتادًا, ومالاً, ومآلاً, ومنصة مساواة, ومهابة, ما الذي نفعل أنتَ, وأنتِ, وهما, وأنتما, وهم, ونحن للوطن سرًّا, وجهرًا؟!..
الوطن, أهو الهوية تُقدم عند كل سؤال تعريف, وتعارف, مرور, ومصلحة؟!
وفي المسؤولية الفردية, والاجتماعية, وفي أدوار العطاء, والتمثيل , والسلوك, والمظهر, والمنابرة, والمكاشفة, وفي الخاص, وفي العام نغفل هذه الهوية, ونفعل ما نشاء؟!..
أوَ ليس الوطن هو الدار, والفراش, والسقف, والطمأنينة, والسلام, والراحة, والضمان, والأهل, والرغيف, وظل الشجرة, وستر الجدار, ومأوى الراحة, ومضخة العمل, ورافد القرش, ومنجم الريال, وملاذ الوجع, وأمن الغربة, ورصيف الوِجهة, وضمير السر, وسر الصدر, ووجه القريب, وصوت الحبيب, ومحضن الأب, ومخاض الأم, ودمَّ العِرق, ونسيج اللحم, وأصابع الكفوف, وأعضاء الجسد, ولمَّة الفطور, وعبق البخور, ورائحة التراب, وحنطة الصحراء, وبوصلة الطريق, ومنصة الفخر, ونغم الحداء, ووقع الخطوة, وهسيس النبض, وتمر النخلة, وهال القهوة, وسماء الحلم, وثرى القبر؟!..
إذن ما الذي لهذا الوطن من حريتنا الشخصية, وعصبة فضائلنا, وكوكبة أمانينا, ومواقد عزائمنا, وينابيع عقولنا, وسواقي قلوبنا, وبصر عيوننا, وبصيرة رشدنا, وحصيلة معارفنا, وخلاصة تجاربنا, وصدقنا الذي لا نساوم عليه, ووفائنا الذي نتغنى به, وعهدنا الذي نطوق به أجيادنا, وحبنا الذي له تباهينا به أمس, وأمس الأول..؟!
بلا ريب, له الصدق, والحب, والعطاء, والوفاء.