فوزية الجار الله
كم مرة وجدت نفسك وحيدًا، نائيًا، معتزلاً بمحض إرادتك، لست حزينًا، وأيضًا لست سعيدًا، تتأرجح بين هذه وتلك، تغرق في فيض من مشاعر متضاربة متناقضة فتقرر في لحظة أن تبحث عن كتف ما تسند إليه همك وحيرتك، كيان ما، أقوى من إنسان، وأبعد من فضاء، وأوسع من كون، تبحث عن شيء ما يريحك، تلجأ إليه بمنتهى اليقين والاستسلام، فلا تجد أجمل من دفتي كتاب وفيض من كلمات.. من هذا الفيض أقتطف لكم بعضًا مما أدهشني:
(اخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة) كتاب من اختيار وترجمة محمد الضبع. وقد ورد فيه فصل بعنوان ما هو الحب؟ تضمَّن تعريفات شهيرة للحب خلال مئتي سنة من تاريخ الأدب. يقول هاروكي موراكامي: «كل الذين وقعوا في الحب كانوا يبحثون عن الأجزاء الناقصة من أنفسهم؛ لذلك كل من يحب يصبح حزينًا عندما يفكر في محبوبه. الأمر يشبه العودة بعد زمن طويل إلى غرفة تحمل كل ذكرياتك». ويقول ليموني سنيكت: «الحب بإمكانه أن يغيِّر الشخص بذات الطريقة التي بإمكان الأم أن تغير بها طفلها. وغالبًا بكمية هائلة من الفوضى». أما ديستوفيسكي فيتساءل: «ما هو الجحيم؟ معاناة ألا أكون قادرًا على الحب»..
«ومرة في إحدى زياراتي للأهوار برفقة الصحفي والرسام اللبناني الراحل فاروق البقيلي، وفي أقاصي الأهوار حيث البيوت العائمة على الماء، والتنقل بالسفن الصغيرة، تعرفنا على شاب.. وكان دليلنا إليه صوته وهو يغني وسط سكون الأهوار حيث لا يسمع إلا خفق أجنحة الطيور المائية، ولبط السمك في المياه شبه الراكدة، فعلمنا منه أنه عاشق لامرأة زوجوها بغيره، وأنها مقيمة في أحد بيوت الجوار، وأنه يعاقبها ويعاتبها في الآن نفسه من خلال غنائه. وكانت حكايته مثيرة، دفعتني إلى أن أكتب عنه وعن عالم الأهوار.. قصة بعنوان (سر الماء)». كان هذا خلاصة حديث للكاتب والروائي عبدالرحمن الربيعي في كتابه سيرة البدايات..
وفي هذا السياق أتذكر أن سيدة رصينة عاشقة للثقافة والأدب رافقتني منذ سنوات في إحدى المناسبات الثقافية. كنا في إحدى مدن المملكة خارج مدينة الرياض. أمضينا معًا يومين. تلك السيدة متزوجة، ولديها عدد من الأبناء والبنات. كانت لطيفة ودودة، تستمتع بقراءة الكتب، وتطرب لسماع الأغاني، لكنني لأكثر من مرة حين أهم بالحديث عن قصة حب حقيقية سمعت بها لا يعجبها هذا السرد، وتهرب بذكاء إلى حديث آخر. احترمت مشاعرها، وغيَّرت مسار الحديث، لكنها أثارت في داخلي الكثير من الأسئلة: لماذا تهرب من قصص الحب الواقعية؟ هل تحمل آلامًا خفية أو جراحًا قديمة تثيرها في ذاكرتها «سيرة الحب»؟
** وما دمنا نتحدث عن الحب لهذا الوطن العظيم في ذكرى يومه الوطني.. كل المحبة والتبجيل والامتنان، كل عام وهذه الأرض وأهلها وعشاقها ومرتادوها بألف خير.