فهد بن جليد
في بداية الشهر الحالي تظاهر عشرات الأطفال في شوارع هامبورغ الألمانية ضد آبائهم، للمُطالبة بالإصغاء إليهم وعدم الانشغال عنهم بتصفح الهواتف الذكية، الأطفال رفعوا شعار (نحن هنا) للفت الأنظار لقضيتهم، هؤلاء الأطفال ليسوا وحدهم من يشعرون بالتهميش مُقابل الانشغال بمُتابعة قضايا ومواضيع وأخبار غير هامه وثانوية عبر الهواتف الذاكية، وكأنَّ التشتت الأسري يعمُّ العالم بسبب انشغال (الجميع عن الجميع) باستخدام النقاشات الإلكترونية والإبحار في عوالم التقنية، كل هذا على حساب العلاقات الشخصية والعملية وقبل ذلك الأسرية، فهل هذا الحكم صائب أم خاطئ؟
إذا كنت مثلي تحكم في بعض الأحيان على إنسان بأنَّه يعيش حالة من (الانفصام التقني)، كونَّه لا يهتم بواقعه الذي من حوله ولا يشعر به، فـ (شاشة هاتفه) هي التي تتحكم في المشهد، تُحدِّد حالته المزاجية، يتحدث ويتناقش معها ومن خلالها، يصمت كثيراً عن الكلام، وكأنَّه يبكي ويحزن يسعد ويفرح من أجل محتوى تلك الشاشة فقط، فلا يجب أن تعتقد أنَّه على خطأ دائماً، فقد يكون إنساناً عصرياً يستشرف المُستقبل وفي طريقه للتكيف معه بطريقة أفضل مني ومنك، خصوصاً أنَّ هذا المُستقبل يحمل أخباراً مُخيفة عن تطور تقني مُذهل، وثورة تكنولوجية قادمة، قد تُغيِّر من طبيعة وشكل علاقة البشر ببعضهم البعض، تتخذ فيه الآلات القرارات نيابة عنَّا، لتختفي معه الخصوصية الفردية، فحياتك أسهل كلما أتاحت لك التقنية عمليات أوسع للمشاركة، قد لا تمتلك حق إطلاق مشاعرك وأحاسيسك تجاه الآخرين، كما لا يمكن لهم تحديد شكل علاقاتهم وعواطفهم تجاهك، دون أن تخضع تلك العلاقة لخطوات مُراجعة وتقيِّيم رقمية وتقنية سريعة.
لا حدود لتخيُّل ما سيحدث في المُستقبل التقني والرقمي، ولا أحد في منأى عن التأثر المباشر بتقنيات وثورات العصر المُقبلة، وظيفتك قد تختفي، دورك في الحياة قد يتضاءل، الأمر الذي يعني أنَّ مواجهتك الحقيقية مع التقنية لم تبدأ بعد، فمن حقبة انشغال الآخرين عنَّا بهواتفهم الذكية، ما الذي سيحدث في وقت قد ينسحب فيه (العقل البشري) من التفكير، لصالح عوالم تقنية قادمة؟!.
وعلى دروب الخير نلتقي