تمر بنا مناسبة اليوم الوطني كألوان الطيف في الأجواء الندية الجميلة، لترطب النفوس بذكريات تاريخية خالدة صنعت بعد توفيق الله هذا الوطن الكبير الشامخ الذي ننعم في ظله بالأمن والرخاء والاستقرار، ولتقف بنا أمام مسؤولياتنا نحو المحافظة عليه وصيانة أمنه ومكتسباته، والإسهام في دعم مسيرته الناهضة خلف قيادتنا الرشيدة -أدامها الله-.
تأتي هذه الذكرى السنوية الغالية ونحن نعيش مرحلة تحولية عبر برنامج التحول الوطني، والرؤية الوطنية الإستراتيجية 2030 التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ويقود دفتها ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله- لمسايرة التغيرات العالمية المتسارعة والمعطيات التقنية المذهلة والتطور الهائل في وسائل المواصلات والاتصالات والتواصل بأدواتها المختلفة التي صيرت العالم قرية صغيرة تتفاعل فيها الحضارات وتتلاقح الأفكار وتتسابق الهمم إلى مراكز الريادة والتفوق.
نعم إنها مرحلة مهمة ومفصلية في العرف الفلسفي الحضاري ونقلة جديدة في الأفكار والطموحات والخطط لبناء الدولة الحديثة على أساس راسخ من الثوابت والقيم، مرحلة تربط أذهاننا بذكرى تأسيس الدولة على يد البطل الكبير الملك عبدالعزيز التي نحتفي بذكراها المجيدة اليوم، حيث قام -يرحمه الله- بدور بطولي كبير في لم شتات الدولة وتوحيد أرجائها وبناء هياكلها الإدارية وأنظمتها التشريعية والقانونية وعقد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتوطيد العلاقات واتخاذ المبادرات التي تحفظ للدولة قيمتها واعتبارها ومكانتها، ورسم المنهج الذي سار عليه أبناؤه الملوك الكرام من بعده بكل كفاءة وعزيمة وثبات بما جعلها اليوم بعد توفيق الله دولة عظمى ومحور ارتكاز في منظومة التعاون الدولي ورمزاً لدعم الاستقرار والأمن والسلام في العالم.
ومثل ما كانت مرحلة التأسيس بقوتها وزخمها وإنجازاتها العملاقة ذات أثر في تغيير مجرى التاريخ فإن المملكة تحقق اليوم على يد قائدها الفذ الملك سلمان -أيده الله- إنجازاً تاريخياً جديداً يؤكد رسوخ الدولة وعمقها وعراقة خبرتها وذلك من خلال الاستجابة الواعية لمتطلبات العصر وضرورة التغيير والتطوير وتجديد الدماء تأسيساً على المبادئ الأصيلة والثوابت النبيلة وانطلاقاً منها نحو أهداف ومتغيرات تتسم بروح العصر ومكتشفاته وتقنياته الذكية ومستجداته المتلاحقة في كل ضروب العلم والحياة.
فالمملكة وعبر رؤيتها التنموية تنظر للمستقبل بعين ثاقبة وتخطط لأهدافها بمهارة فائقة وبرامج طموحة قوامها العمل المتقن والتنظيم والتدقيق والمتابعة والمحاسبة مع الاعتماد على سواعد الشباب وأفكارهم وإبداعاتهم للوصول إلى الغاية الحضارية المتقدمة التي تليق بمكانتها الكبيرة ووزنها السياسي والاقتصادي والإنساني في المحيط الدولي.
وها نحن بفضل الله وتوفيقه ثم بسلامة التخطيط والنهج بدأنا نشهد بوادر نجاح الرؤية ونقطف ثمارها متمثلةً في مشروعات ضخمة تشمل برامج التحول الرقمي وتطوير التعليم وتحديث الأنظمة الوظيفية وتوطين الصناعة وإنشاء المدن الذكية والمناطق السياحية والترفيهية وتنظيم الدخل وترشيد الإنفاق وتنويع الإنتاج ودعم الأنشطة الثقافية والرياضية والترويحية وغير ذلك من البرامج الطموحة.. بل إن التفاؤل يزداد والطموح يتعاظم بعد أن قام صانع الرؤية خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- بالوقوف بنفسه على جانب من معطيات الرؤية في منطقة مشروع نيوم بشمال المملكة التي اختارها مقراً لاستجمامه الصيفي هذا العام ليطمئن عن قرب على مستوى تنفيذ الأعمال في هذا الموقع الاستثماري العالمي الذي سيستضيف الاجتماع الدوري لقمة العشرين عام 2020 إن شاء الله.
ومما يبهج النفس أن هذا الزخم التنموي الذي يتدفق بالعطاء والرخاء يأتي في وقت تقف فيه المملكة بكل شجاعة وقوة واقتدار ضد مخططات الأعداء والحاقدين الذين يعملون على استهداف الأمن والاستقرار وتقويض وحدة العروبة وإشعال النعرات الطائفية ونشر الفوضى والدمار، حيث تمكنت بعون الله ثم بمساندة الشرفاء من العرب والمسلمين والوقفة الوطنية المشرفة لأبناء الوطن من دحر مخططاتهم وإحباط أطماعهم وتحطيم أحلامهم وإعلامهم ودعاياتهم وجعلهم عبرة لمن يريد الاعتبار.
وخلاصة الحديث أننا في ذكرى اليوم الوطني المجيد نقف بكل عزة وكرامة على أرض وطن شامخ يسعى للعلا بعزم ويتصدى للأعداء بحزم ويقف في مواقع التقدم الحضاري إلى جانب عمالقة العالم الكبار الذين يملكون المقدرة والمكانة والتأثير، كما تتجلى في هذه الذكرى حنكة القيادة الرشيدة وخبرتها العميقة المتجذرة في الزمن عبر أكثر من ثلاثة قرون، وعمق التلاحم بينها وبين مواطنيها الذين يبادلونها الوفاء والتقدير والإخلاص.
وفي كل ذلك رسالة مفتوحة بأن المملكة قوية راسخة متماسكة وماضية إلى مستقبل واعد تكون فيه الأفضل والأجمل والأكمل -بإذن الله-.
وكل عام ومملكة العزّ والمحبة والكرامة بألف خير.
** **
علي بن عبدالرحمن العنقري - وكيل وزارة الحرس الوطني