الاحتفال بذكرى اليوم الوطني المجيد لبلادنا المملكة العربية السعودية يمثّل مناسبة سنوية لجرد الإنجازات والأعمال التي حققتها المملكة خلال العام، فهو حدث يتجاوز استعادة تاريخ التأسيس والتوحيد لهذه البلاد المباركة إلى الاعتزاز والفخر بالمكتسبات الجديدة التي تحققت ما بين ذكرى اليوم الوطني السابقة واللاحقة، فمع ذكرى اليوم الوطني في كل عام، هناك الكثير من الإنجازات والإضافات التي ترتقي ببلادنا نحو آفاق مستقبلية واعدة.
واليوم الوطني لهذا العام الذي يصادف الثالث عشر من محرم 1440هـ، الموافق 23 سبتمبر 2018م، هو الذكرى (88) لتوحيد هذا الكيان العظيم الذي يمثل أكبر وحدة شهدها العالم العربي في العصر الحديث، فبينما كانت المنطقة العربية تعاني بفعل القوى الاستعمارية الغربية، كان القائد الفذ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- مع رجاله يحارب ويناضل من أجل توحيد أكبر أجزاء شبه الجزيرة العربية، وهو ما انتهى إلى تأسيس هذا الوطن المبارك الذي يمتد من الخليج العربي إلى البحر الأحمر ومن اليمن إلى بلاد الشام، محتضناً أطهر بقعتين مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومشتملاً على مناطق متباعدة جمعها تحت حكم واحد، وانصهر في فضاء مدني أخذ بأسباب التحديث والتطوير، وتنمية الإنسان، والتفاعل مع المستجدات الحضارية، وبناء وتعزيز العلاقات مع دول العالم.
إن المملكة في كل عام تشهد حزمة من البرامج والمشروعات والقرارات المهمة، فهذا العام شهد إقرار أكبر ميزانية إنفاق في تاريخ المملكة بلغت (978) مليار ريال، هدفت إلى تعزيز المسيرة التنموية والتطويرية نحو تحقيق أهداف (رؤية 2030)، وزيادة نمو الاقتصاد الوطني، وتنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل، والقدرة على التكيف مع التطورات وتجاوز التحديات.
كما أطلقت المملكة برنامج «حساب المواطن»، وهو البرنامج الذي يضمن رفع كفاءة الدعم الحكومي، للفئات الأكثر استحقاقاً من المواطنين، بما يساعد في مواكبة مشروع الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها المملكة لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط والتحول إلى الاقتصاد الإنتاجي، وفي السياق ذاته أطلقت الحكومة خطة تحفيز القطاع الخاص بقيمة (200) مليار ريال على مدى السنوات الأربع المقبلة، والتي تستهدف تعزيز القدرات التنافسية لعدد من شرائح الاقتصاد الوطني وتطوير منتجاته، إلى جانب تحسين بيئة الأعمال التجارية والاستثمارية، وتحسين ثقة القطاع الخاص بالاقتصاد وتعزيز دوره التنموي، وفتح آفاق كبيرة للقطاع الخاص، وتوفير فرص وظيفية لشباب وفتيات الوطن. كما أعلنت المملكة هذا العام إنشاء وزارة مستقلة للثقافة، في إطار مضاعفة الاهتمام بالجوانب الثقافية والتراثية في المملكة، والفنون والتراث الفكري والاجتماعي، ودعم المكتبات والأندية الأدبية وتشجيع المثقفين والأدباء، وتنشيط الحركة الثقافية والنشر والمعرفة، كما شهد العام إنشاء هيئة ملكية لتطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، تهدف إلى تعزيز تطوير أم القرى والمشاعر المقدسة، والعمل على تنفيذ مشاريع إنشائية جديدة، وتطوير منظومة خدمات الحجاج والمعتمرين عبر رفع الطاقة الاستيعابية لكل المواقع بدءًا من الحرم المكي الشريف ومرورا بالطرق والشوارع، ودعم وتشجيع المشاريع الخاصة للارتقاء بمساكن المعتمرين والحجاج، وتدعيم المشاريع الترفيهية بإنشاء الحدائق العامة للأهالي.
وخلال هذا العام دشن خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- مشروع (القديّة)، الذي يعتبر المشروع الترفيهي الحضاري الأضخم من نوعه في العالم، ويبعد عن مدينة الرياض (40)كم، ويستهدف المشروع تنمية القطاع السياحي والترفيهي بالمملكة، ويستهدف تحقيق قيمة اقتصادية تقدر بنحو (17) مليار ريال سنوياً للاقتصاد السعودي.
كما شهد هذا العام بدء التنفيذ الفعلي لقرار السماح بقيادة المرأة للسيارة، وهي الخطوة التي تعكس التغيرات الاجتماعية الإيجابية في المجتمع السعودي، إضافة إلى قرار السماح بفتح دور السينما وفق الضوابط التي تراعي قيم المجتمع، وإقامة الحفلات الترفيهية الرامية إلى تشجيع القطاع السياحي.
إن ما حققته المملكة خلال الفترة ما بين الاحتفال بذكرى اليوم الوطني (87) واليوم الوطني (88)، يشكل امتدادًا للإنجازات والتغيرات الإيجابية التي تشهدها المملكة في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- اللذين يقودان المشروع التنموي الأضخم رؤية (2030) الذي يأتي امتدادًا لمسيرة التنمية التي انتظمت المملكة منذ المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله-، مرورًا بأبنائه الملوك الذين تعاقبوا على قيادة الدولة والمضي بها نحو بر التنمية والسلام والرقي؛ ليأتي هذا العصر الزاهر حاملًا معه بشائر تدشين رؤية تنموية استراتيجية نوعية تحمل في مضامينها مستقبًلا مشرقًا للمملكة وأبناءها، وقد لمس المواطنون في هذه المرحلة من برنامج التحول الوطني كفاءة الحكومة الفاعلة المتمثلة بمكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية والمساءلة وتشجيع ثقافة الأداء، والعمل على تهيئة البيئة اللازمة للمواطنين وقطاع الأعمال والقطاع غير الربحي لتحمل مسؤولياتهم وأخذ زمام المبادرة في مواجهة التحديات واقتناص الفرص.
إنني بمناسبة اليوم الوطني الـ(88) الذي نستذكر فيه ملحمة التوحيد ومعركة البناء والتنمية، أتقدم بوافر التهنئة والتبريكات لقائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وإلى سمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع -حفظهما الله-، كما أتقدم بالتهنئة لصاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن تركي بن فيصل بن تركي بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة القصيم -حفظهما الله-، وإلى أفراد الشعب السعودي الكريم كافة، داعيًا الله أن يديم على بلادنا نعمة الأمن والأمان والتنمية والرخاء. والله ولي التوفيق.
** **
د. عبدالرحمن ابن حمد الداود - مدير جامعة القصيم