عندما تمر ذكرى اليوم الوطني أتذكر ما كان يقوم به والدي، -رحمه الله-, مساهمة منه في الاحتفال بمناسبة اليوم الوطني المجيد للمملكة بكتابة مقالات, أو المشاركة في الأحاديث المتلفزة، لاستعادة ذكرياته في هذا اليوم العظيم. وسعيًا منا نحن أبنائه على مواصلة مشروعه الثقافي رغبت أن أواصل ما كان والدي، -رحمه الله-, حريصًا عليه, فقد كان دائم الكتابة عن تاريخ هذا الوطن, وكتابة مقال عن هذا اليوم, أو المشاركة بتصريح.. ومما جاء على لسانه في أحد التصريحات التي أدلى بها قوله: «إننا نحن أبناء هذا الجيل نشهد كما شهدت الأجيال السابقة كل الحلقات المتواصلة في ظل حكم المؤسس ومن بعده أبنائه الملوك, ضمن حلقات أخرى حافلة بالتجديد والازدهار».
وأردف كان همَّ الملك المؤسس إقامة دولة قوية متماسكة تقضي على الانقسامات والفوضى فتحقق له ما أراد واستطاع بفضل الله وتوفيقه أن يقي شعبه وأمته شرور الفقر والمرض والجهل. كما كان يدبج المقالات التي تشجع على الاعتزاز والفخر وكل ما من شأنه زرع الروح الوطنية.. جاء هذا واضحًا عندما انبرى للكتابة عن رايتنا السعودية المجيدة, وأفرد ذلك في بحث تاريخي، طبع بعد ذلك في كتاب أسماه «تاريخ الراية السعودية أعلام.. وأوسمة وشارات وطنية.. ولأن التقدير من سمات الأئمة والملوك من آل سعود, فقد أنعم مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز, -حفظه الله-, على والدي ومنحه تقديرًا من نوع خاص, فقد أطلق عليه لقب (مؤرخ آل سعود) فظل الوالد يعتز به ويفتخر.. وسنظل نحن أبناءه نعتز ونفتخر بهذا التقدير المعنوي.
والوالد ذاكرة وطنية كانت تمشي على الأرض بما يملكه من مخزون ونوادر وصور تحكي وتكشف يوماً بعد يوم ما تتسم به هذه البلاد من أماكن وأحداث وعناصر تحكي سيرة دولة ورجال عبر أدق الوسائل والنوادر والمخطوطات، وهو أحد الرجال الذين نذروا أنفسهم لتوثيق ورصد وحفظ كل جانب وعنصر يحكي ويكشف نوادر وتاريخ هذه الدولة السعودية منذ نشوئها ومرورًا بعهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، وامتدادًا بعهود أبنائه الملوك.
وكتاب: «تاريخ الراية السعودية» ليس مجرد مُؤلَف يصف أو يرصد تاريخها فحسب، إنما هو موجز دقيق يحكي عبر عناصره وموضوعاته سيرة ونهج ونظام دولة هي «المملكة العربية السعودية» عبر أعلام ورموز وشعارات وأوسمة وشارات وطنية نادرة أضافت للمكتبة الوطنية والتاريخية والتراثية الشيء الكثير والمميز.
وبالعودة إلى حوار كانت أجرته صحيفة الرياض مع الوالد حول كتاب (الراية)، يقول، -رحمه الله-,: إن فكرة إصدار هذا الكتاب نبعت لديه حينما أقدم أحدهم في مناسبة كان حاضرًا فيها، وزعم أن «الراية والعلم السعودي» هي إحدى خواطر شخص عربي يعد أحد مستشاري الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -يرحمه الله-، فقمت ساعتها وأبديت رأيي بأن ذلك ليس دقيقاً، فالراية نشأت منذ قيام الدولة السعودية الأولى عام (1157هـ-1944م) فتواردت الفكرة وتطورت من مقالة في إحدى الصحف إلى التوسع والرصد والطرح الشامل عبر هذا المؤلف الذي صدر بعد توفيق الله تعالى وأعلنه العام 1428هـ - 2007م.
وعن أبرز محتويات هذا الكتاب أعرب, -رحمه الله-, أن «العَلَم» ليس مجرد قطعة قماش تعلّق في أعلى سارية من الخشب، بل هي رمز عظيم للأمة وللعقيدة والوطن، واحتوى الكتاب على موضوعات بلغت: (197) موضوعًا، وبحثًا موثقًا لتاريخ الراية السعودية، وكذا الأعلام والأوسمة والشارات الوطنية والعالمية لمختلف بلدان العالم وبعض قطاعاتها الأمنية والعسكرية والحكومية، فقد جاءت مقدمة الكتاب لتحكي قصة العلم والأعلام، ثم مفهوم العلم في لغتنا العربية، وكذا العلم والأعلام عبر لمحة تاريخية.. بعده بحث عن الرايات في تاريخ الحضارة الإسلامية والأعلام في البلاد العربية.
ثم (9) موضوعات تعد موجزًا دقيقًا يحكي عن «آل سعود في التاريخ»، وأساليب مخاطبة الحاكم في الأسرة السعودية: والتي كانت منذ عهد الدولة السعودية الأولى وحتى الآن تلقب الحاكم «سياسيًا» بـ(الإمام) وتخاطبه في الأسرة المالكة بأساليب مختلفة والشائع والأصل في المرحلة الأولى هي مخاطبته باسمه مجردًا أو بكنيته وقد ينادونه بـ(الأمير).
أما اللقب الرسمي له بعد قبول الملك عبدالعزيز مبايعته بالمُلك فهو (ملك نجد وملحقاتها)، ثم بعد توحيد المملكة عبر جهاتها الأربع ووسطها لقِّب بـ(ملك المملكة العربية السعودية) ثم كيف انبثق لقب «خادم الحرمين الشريفين» وكذا معنى لقب (صاحب السمو الملكي) و(صاحب السمو) فقط. وكذا موجز عن تاريخ الأسرة السعودية الأولى والثانية والثالثة، فحديث عن البيعة. تلك الموضوعات التسعة تلتها مواضيع أخرى في الكتاب لا تقل شأنًا أبرزها: (علم الدولة السعودية) الذي هو مسمى الكتاب ومحتوياته وعناصره وتصميمه وألوانه، ومتى وضعت عبارة الشهادة «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ومتى وضعت السيوف معها وفي عهد مَن؟ وإلى ماذا ترمز له تلك السيوف.. وهو ما أكده الوالد :إنها ترمز للدولة السعودية بأنها دولة عدل وأنها دولة حق تدافع عن عقيدتها. ثم تناول موضوعًا نادرًا أسماه بـ»الراية السعودية في سنوات الغيبة» تؤكد مدى تمسك آل سعود برايتهم حينما كانوا قد استقروا في الكويت؛ فكانوا يحملونها خلال تلك الفترة.
ثم موضوعًا حول (الراية السعودية في عهد الملك عبدالعزيز) وأوصافها ورموزها، ثم بعده موضوع (البيارقيون) وهم حملة الراية، وفيه ذكر أسماء ثمانية من حملة الراية السعودية منذ عهد الدولة السعودية الأولى.. وهم: إبراهيم بن طوق، وعبدالله أبو نهية، والحميدي بن سلمة، وصالح بن هديان، وإبراهيم الظفيري، وعبداللطيف بن حسين المعشوق، ومنصور بن عبداللطيف المعشوق، وعبدالرحمن بن مطرف.
بعده طرح حديثًا عن شعار المملكة «السيفان والنخلة»، أشار فيه أن أقدم شعار سعودي وضع على مادة صلبة هو ما طبع على وجه الريال الصادر عام 1346هـ -1927م. ثم بعده علم المملكة في النظام الأساسي للحكم ونظام العلم في الدولة السعودية الحديثة، بعده حركة الأعلام في المحيطات، وتطور الأعلام البحرية، وأعلام القوات المسلحة السعودية، والقوات البرية الملكية السعودية، ثم موضوعات أخرى شملت مصطلحات وآداب التعامل مع الأعلام وقوانينها وأشكالها وأنواعها، وأعلام مهمة في حياة الأمم والشعوب.. بعدها اختتم كتابه بموضوعات شملت الأوسمة والميداليات والرتب العسكرية في المملكة قديمة وحديثة مزودة بصور نادرة لها جميعًا.. وكذا صور أعلام وطنية ودولية في دول العالم.
وبعد أن تمت طباعة الكتاب. قام الوالد -رحمه الله- بتوزيع كمية محدودة منه بجهوده الشخصية, ولم يتسن له توزيع بقية الكتاب.. وكم كنت أتمنى أن تقوم الجهات المعنية بالثقافة في بلادنا، والقادرة على إيصاله للأماكن التي تراها مناسبة, مثل: المؤسسات والمصالح الحكومية, وبعض سفارتنا الخارجية.. وتبني توزيعه على شبابنا الذي ما يزال ينهل العلم سواءً في المدارس أو الجامعات, ووضع الكتاب ضمن المناهج التعليمية؛ ليكون مصدرًا من مصادر تنمية الروح الوطنية للشباب الذي تعده الدولة ليحمل راية البناء والتنمية في بلادنا.
هذا.. وأعتقد جازمًا أن الوالد لو حضر معنا هذه الأيام -أيام الرؤية(2030)- لكان فخورًا, بسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان, وسباقه مع الزمن, وبما تم من إنجازات حاضرة. وخطط مستقبلية لتنافس المملكة الدول المتقدمة في شتى المجالات, ولكان ناصرًا للمشروع الجبار مدينة (نيوم) لإيمانه بأن الدولة السعودية المتمسكة بدينها لابد أن تواكب العالم في تقدم دوله التي تأخذ بأسباب التنمية.. وفق التعاليم الإسلامية التي تحث على العلم.
حمى الله بلادنا، ووفق قادتنا وولاة أمورنا لما فيه صلاح البلاد والعباد.
** **
- إبراهيم عبدالرحمن الرويشد