يُقصدُ بكلمة «وطن» في لسان العرب: «المَنزل الذي يُقيمُ الفرد به، وهو محل الإنسان وموطنه، وجمعُ وطن أوطان..».
وحب الوطن قديم ومعلوم ومندوب، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}.
وقال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}؛ في الآيات حكى الله تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام هذا الدعاء بالأمن, والسلام ورغد العيش, لهذا البلد الحرام, الذي مال إليه قلبه عليه السلام حيث مستقر عبادته, وموطن أهله.
وفي مكة موطن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- قال عنها: «والله إنك لأحب البلاد إليّ...».
فحب الوطن من الدين، لما فيه من الاجتماع والائتلاف والتسامح والتعايش الآمن الكريم.
قال الأصمعي (سمعت أعرابيا يقول: إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف شوقه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه...).
ويقول الشاعر بن الرومي:
ولي وطنٌ آليتُ ألا أبيعَهُ
وألا أرى غيري له الدهرَ مالكاً
عهدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً
كنعمةِ قومٍ أصبحُوا في ظلالِكا
وحبَّبَ أوطانَ الرجالِ إِليهمُ
مآربُ قضاها الشبابُ هنالكا
إِذا ذَكَروا أوطانهم ذكرَّتهمُ
عهودَ الصِّبا فيها فَحنُّوا لذاكا
فقد ألفته النفسُ حتى كأنهُ
لها جسدٌ إِن بان غودرَ هالكا
موطنُ الإِنسانِ أمٌ فإِذا
عقَّهُ الإِنسانُ يوماً عقَّ أمَّه
الوطن كلمة من ثلاثة حروف، كبيرة في معناها حيث تحمل معاني عظيمة ومتعددة، ومن داخله تكونت هويتنا، ونشأت أخلاقنا وعاداتنا، وتبلورت حياتنا وتقاليدنا لما نريده ويريده مجموع مجتمعنا، حين نغترب تشتاق نفوسنا إليه، وتحنّ قلوبنا وَجْدَا عليه، والإنسان بلا وطن كشجر بلا ورق، وكجسد بلا روح.
وحب الوطن ليس كلمات وشعارات فقط، إنما مسؤوليات ومهام منها الولاء والطاعة لولاته وقادته، وتقديم محبته على غيره من البلدان، ولا مساومة ولا تفريط في الدفاع عنه أو التنازل عن الذود عن حياضه، والعمل له بإخلاص وتفان، والتزام عقيدته وديانته والالتزام بتشريعاته الإسلامية، وتطبيق النظام العام والقوانين المنظمة للحياة فيه، والحفاظ على ممتلكاته ومقدّراته، والدفاع عنه في السلم والحرب، وبنائه بالعلم والمعرفة والثقافة.
ويظهر حب الوطن من انتماء وثيق، وإحساس راق، ومشاعر فياضة، وتضحية مخلصة، ووفاء كريم، ولسان صدق لا كذب، وقلم بناء لا هدم.
وعلينا جميعاً أرباب الأسر والتعليم أن نغرس مفهوم وحب الوطن في نفوس أبنائنا في وقت مبكر من أعمارهم، وتعميق مفهوم السمع والطاعة لولاة الأمر في نفوسهم، توحيداً للكلمة، ونبذاً للفرقة والتحزب والتشرذم، انطلاقاً من نصوص الكتاب والسنة في الاجتماع والألفة، وتنشئتهم على التمسك بالعقيدة والقيم الإسلامية التي تحكم بها بلادنا، والتي تنبثق منها هويتهم الوطنية، فالوطن مكوّن أساس من مكونات الهوية والشخصية الوطنية المستقلة، وأن نشركهم في الحضور والمشاركة في المناسبات الوطنية التي يضم أطياف المجتمع، ليتعايشوا مع الكل بود ومحبة، بلا انكفاء أو انعزال أو تقوقع ضار، وأن يفاخروا ويرفعوا اسم وطنهم في المحافل الدولية، وأن يمثلوه أفضل تمثيل، سواء في سفرهم للعمل أو الدراسة أو السياحة أو التجارة وغيرها.
وبمناسبة الذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية الثامن والثمانين، نتذكر التأسيس والوحدة، والأمن والأمان، والرخاء والبناء، والعز والسؤدد، والاجتماع والألفة والمحبة؛ بعد الشتات والفرقة، وكما أصبح العالم بتقنيته وتقدمه قرية واحدة؛ فإن قادة بلادنا جعلوا من بلادنا الكبيرة قرية واحدة، تجمعنا أسرة وبيت واحد وهم مشترك واحد.
إن كل مواطن في بلادنا يفخر بما حققه وطننا من إنجازات متسارعة انطلقت بعد توحيد هذه البلاد المباركة على يد جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، والتي أعادت الذكرى بملحمة البطولة والشجاعة، والإرادة النافذة والعزيمة الصلبة، التي قادها -رحمه الله-، حيث استطاع الملك المؤسس -بتوفيق الله- ثم بقيادة حكيمة ونية صادقة أن يوحد شتات هذا الكيان العظيم، ويجمعه على أساس راسخ هو كلمة الحق، والمنهج الشرعي القويم، فأحال بذلك الفرقة والتناحر، إلى وحدة وانسجام وتكامل، حيث وضع أساس بداية نهضة شاملة في كافة ميادين الحياة ومجالاتها لتنافس كبرى الدول في العالم، فقد حقق الله ما بناء وأسسه -رحمه الله- بما نشاهده اليوم من حضور ومشاركة لبلادنا يشهد بها العالم أجمع، وذلك حين سار على نهجه أبناؤه البررة ملوك بلادنا إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-.
ونحن اليوم -ولله الحمد- في عهد جديد زاخر بالعطاء، والنماء، مع ما تواجهه بلادنا من أعداء حساد مغرضين معتدين، ومع هذا نرى قادة بلادنا وبكل حزم وقوة وفروا لنا الأمن والأمان والبناء والعمار، ودحروا المعتدي وهزموه، منطلقين بلا تزعزع إلى رؤية شاملة سديدة، تتجه بنا إلى دولة رائدة قوية، في رؤيتها المتحققة -بإذن الله- في عام 2030، والتي تجعل المملكة العربية السعودية رائدة في كل مجال، وأن ينعم المواطن فيها بمزيد من رغد العيش، ومزيد من فرص العمل المتعددة، ومستمرة بخدمة ضيوف الرحمن في الحج والعمرة بكل كمال واكتمال وقوة واقتدار، ودعم كل قضايا الأمة الإسلامية، ودفاعها عنها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
-حفظ الله- خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولرجال أمننا في داخل البلاد وعلى حدودنا أصدق دعوة؛ أن يحفظهم ويزيدهم قوة وبأساً، وأن يعيد المرابطين على الثغور إلى أهلهم سالمين غانمين، وأن يرحم شهداءنا وينزلهم أعلى جنانه، وأن يعيد علينا الذكرى كل عام وبلادنا السعودية ترفل في ثوب العز والتمكين والخير والعطاء.
** **
د. خالد بن محمد الشبانة - مدير تعليم شقراء