د. جاسر الحربش
نبتت فكرة هذا المقال من لقاء التصالح السلمي لدول الشاطئ الغربي على البحر الأحمر في مدينة سعودية على الشاطئ الشرقي منه بوساطة سعودية. أعتقد صادقاً أن مسيرة التنمية الحالية في وطننا لديها الطموح المؤكد لتطبيق نموذج الدولة القطرية الناجحة.
تصالح الدول المتشاطئة على ضفتي البحر الأحمر هو بداية فتح مجالات كبيرة الاتساع للتكامل السلمي في مجالات الطاقة والزراعة والحياة البحرية والمياه والتشارك المعلوماتي والعلمي وتوفير الأموال التي تبعثر على التحسب العسكري المتبادل، علاوة على فوائد التهدئة والتنمية في الصومال بالذات التي حولتها العصابات إلى بؤر للتهريب وتدريب الإرهابيين وتجارة السلاح.
أعتقد أن الدولة القطرية الناجحة هي التي تركز في مشروعها الوطني على تحقيق التالي:
أولاً: إقناع الدول المجاورة بمنطق: نحن نركز فقط على التنمية الداخلية وحسن الجوار ولا نتدخل في شؤون الآخرين ونطلب المعاملة بالمثل ونحتفظ بحق الرد على ما يهدد أمننا الوطني.
ثانياً: الوصول إلى النموذج الاجتماعي التعايشي العادل بشمولية التنمية.
ثالثاً: الوصول إلى النموذج التعليمي المفتوح على التشارك العالمي وتطبيقاته البحثية والعلمية والعملية.
رابعاً: الوصول إلى بناء المواطن العقلاني الذي يميز بين الخرافي والعلمي وبين الوطني والفئوي، بدون مواعظ وتوجيهات.
قد تبدو هذه الاشتراطات طوباوية غير قابلة للتطبيق، لكنها هي الوصفة المضمونة للتطوير الذاتي ومحاولة تحييد الاستفزاز من الجوار. لم تنجح من قبل دولة واحدة في الانتقال من التخلف إلى التطور قبل تحقيق أكبر قدر ممكن من هذه الأهداف الأربعة. إذاً الأمنية في هذا المقال هي وجود دولة قطرية عربية تصبح نموذجاً للنجاح تحتذيه الدول العربية الأخرى بدون استفزازات غير مبررة ومحاولات تعطيل بسبب التوجس من أطماع توسعية متوهمة أو من هيمنة متخيلة تغذيها أطماع أجنبية.
المملكة العربية السعودية تحاول منذ سنوات الوصول إلى مثل هذا النوع الواقعي من التعامل مع الشقيقة العراق، رغم التبعية الواضحة للسياسات العراقية لأشرس عدو علني للعرب بما يشمل العراق نفسه. ربما لا يعرف المواطن السعودي ولا العراقي عن الاستثمارات السعودية في العراق رغم المحاولات الإيرانية للتخريب، وكذلك عن العلاقات الاقتصادية مع تركيا التي لم تتأثر بالمواقف السياسية والإعلامية التركية مع قطر والحركة الحوثية . العلاقات السعودية الحالية مع قطر ومع العميل الإيراني في اليمن تنطبق عليها اشتراطات حق الرد بالمثل على ما يهدد الأمن الوطني السعودي ، ولا داعي لذكر الاستدلالات على عدوانية المطبخ السياسي القطري والعميل الحوثي لإيران ، لأن من لم يقتنع بذلك حتى الآن لن يقتنع إلا بعد هزيمة مشروعه.
على كل حال، يبقى أن الأهم في مشروع الدولة القطرية العربية النموذج هي المذكورة في النقاط الثانية والثالثة والرابعة.
الوصول إلى النموذج التعايشي المتكامل والنهج التعليمي العلمي والمواطن العقلاني، تلك هي الاشتراطات صاحبة الاستحقاق الأول والأهم لصنع النموذج القطري الناجح، وأعتقد أن خطواتنا باتجاه السنوات المتبقية حتى عام 2030م واعدة ومبشرة بالنجاح.