م. بدر بن ناصر الحمدان
هل فكرنا يوما بتقييم علاقتنا مع الآخرين، ومدى انحيازنا لذاتنا على حساب هذه العلاقة الوجودية التي هي بمثابة أكسير الحياة على هذه الأرض!، وإلى أي مدى نحن نحبهم ونتمنى لهم الخير. في الحديث الشريف «لا يُؤمنُ أحدكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه»، هذا المنهج النبوي في سمو الإنسان يمثل قاعدة من قواعد الإسلام الموصى بها في العلاقة مع بني البشر، وحجر الزاوية في بناء المجتمع الفاضل، وثمرة من ثمرات الإيمان، وحَثُّ على أن يحمل الفرد نفسه على حب الخير للناس.
يقول «جاك ويلش» مدير القرن والرئيس التنفيذي لجنرال إلكتريك سابقا: «فلتكن لديك جينات الكرم، كن سعيدا بترقية الناس، استمتع بنجاح الآخرين، كن سعيدا بإعطاء المكافآت والزيادات». هذه الفلسفة جعلته يقود شركته إلى نجاحات كبيرة وحققت في عهده أعلى معدلات قيمتها السوقية، فخلال فترة توليه إدارة جنرال إلكتريك أغدق في منح المزايا وصرف المكافآت على نخبة العاملين المتميزين لديه، وحث الطبقة الوسطى من العاملين على بذل المزيد من الجهد والعطاء.
لا يمكنك أن تأخذ دون أن تعطي، فالعطاء سمة من يحدثون الفعل ويتركون الأثر في رحلة الحياة. ارجع بذاكرتك عبر السنوات التي مضت، تذكّر كل أولئك الذين ساعدوك ووقفوا معك وشجعوك ومنحوك الدعم لتواصل الطريق إلى ما أنت فيه الآن، واسأل نفسك: لماذا قاموا بذلك؟، ستجد الإجابة التلقائية «لأنهم كانوا معطائين» وأتقنوا فن البذل والسخاء، وكان لديهم قناعة أن المنافسة دائما ما تكون مع أنفسهم وليست مع الآخرين، ستشعر حينها أنك ممتن لهم في ما تبقى لك من عمر، وسيرتبطون بذاكرتك طوال حياتك شئت أم أبيت.
كن إيجابياً ومؤثراً في محيطك العملي والاجتماعي، ولا تكن أنانياً، ومتفرداً، تنازل عن الأنا، وتجرد من ذاتك المفرطة، تفاعل مع كل من هم في دائرتك، اترك أثراً في نفوسهم، اغرس القيم في أعماقهم، احتفل بهم وبإنجازاتهم، اصنع لهم أدوات التفوق، غامر من أجلهم، وتحمل مسئولية إخفاقاتهم، انسب لهم الفضل، ضعهم على منصة التكريم، اطلق القدرات التي بداخلهم، استثمر طاقاتهم، لا تدعهم يعودون إلى نقطة البداية، أو يتوقفون في منتصف الطريق، لا تستأثر بكل المساحات، احذر من تدمير معنوياتهم، أو تحجيمهم، أوجد لهم السبيل لمنافستك، وقرر أن تغادر موقعك وتتركه لهم، وامنحهم الفرصة ليكملوا المهمة.
لا أعتقد أن هناك نجاحاً يعادل النجاح في بناء قدرات أعضاء الفريق الذي يعمل معك وتطوير مهاراتهم، ومساهمتك في الدفع بهم إلى الأمام، وتكوين شخصيتهم المهنية، ونقل الخبرة والمعرفة لهم، وتمكينهم من القيادة واتخاذ القرار، وإيجاد ثقافة التطوير بداخلهم، ومنحهم مساحة كبيرة من الثقة بالنفس.
في نهاية المطاف لن تجد مشاعر تفخر بها أجمل من «أن تجد من كان يتعلم منك، قد بدأ يتفوق عليك». قفوا على أعتاب الحياة وامنحوا من تعيشون معهم شيئاً من «الأمل»، لتبقوا في ذاكرتهم.