رمضان جريدي العنزي
منذ بدء التكوين البشري وبناء المجتمعات الإنسانية على مر العصور، كان للمعلم الدور البارز في بناء الإنسان، وأول من وضع مكانة وأهمية للمعلم في المجتمع الإسلامي، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما عرض على الأسرى لديه الذين لديهم القدرة على الكتابة والقراءة إطلاق سراحهم وكسب حريتهم بشرط أن يعلم كل واحد منهم عشرة من أصحابه القراءة والكتابة، وبهذا القرار يكون صلى الله عليه وسلم، أول من وضع مكانة وأهمية للمعلم في مجتمعنا الإسلامي، مدركاً أن التعلم والتعليم هو روح الحياة ورقي الإنسان ومرتكز الإبداع والابتكار والاختراع، ليبقى المعلم هو المنارة والشعلة المتوهجة والقدوة للآخرين حتى يومنا هذا، ليس لدينا فحسب، وإنما في كل شعوب العالم، ففي الصين ينحني الناس للمعلم إجلالاً واحتراماً أينما حل، حتى وإن ركب الباص أو القطار أو الطائرة أو سار بالدرب أو تبضع من السوق، وعندما يدخل في أي مكان عام يجد طقوس الاحترام والتقدير والتبجيل من الجميع، وبالإضافة إلى التقدير المعنوي، فإنه يقدر مادياً حيث يتقاضى المعلم الصيني أعلى راتب في مؤسسات الدولة، المعلم في اليابان أيضاً يحظى بمكانة رفيعة تعادل مكانة الإمبراطور، ويعطى راتب وزير، ويعامل بكل تقدير وهيبة واحترام، في ألمانيا احتج القضاة عند المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بسبب قلة رواتبهم مقارنة مع المعلمين الذين يتقاضون أعلى الرواتب، فقالت ميركل للقضاة: إن المعلمين هم الذين يخرجون لنا القضاة والمهندسين والأطباء ورجال الشرطة والجيش وغيرهم، في سنغافورة الصاعدة بقوّة نحو مصاف الدول المتقدمة، تكرس جزءًا كبيرًا من مواردها، للارتقاء بالتعليم، فهي تدرك أنه لا أمّة متقدّمة دون تعليم متقدّم، ومن ثم وضعت مهنة التعليم، ضمن المهن ذات الصيت العالي، ومنح المعلّم مسئولية بناء جيل جديد، وتحديد مسار مستقبل الوطن، في بريطانيا، في هولندا، في فرنسا، وحتى في إندونيسيا، والبرازيل، والمجر، وجنوب أفريقيا، يحظى المعلم هناك بالرعاية والاهتمام، مادياً ومهنياً ومعنوياَ وترفيهياً، ويعطى كامل الفرص للارتقاء والتأهيل وتحسين وضعة النفسي والأسري بشتى الطرق، ووفق أعلى المعايير، إن خبراء التربية يتفقون على أن المعلم هو العنصر الأساسي في العملية التعليمة والتربوية، وأن أصلاح أحواله يعني إصلاح العملية التعليمية برمتها، وأن العناية بالجانب المادي للمعلم وتحقيق متطلباته ورغباته هو الولوية الأهم، إذ أن العصر الحالي يتسم بسيطرة المادة وتقييم أي مهنة وأهميتها بما تدر من عائد، أن تردي حال المعلم، يعني تردي حال المجتمع، وانتكاسة المعلم، تعني انتكاسة المجتمع، إن على وزارة التعليم إذا ما أرادت الرقي بالتعليم أن تمنح المعلم المادة والمعنى بشكل كافي يليق بمكانته كمعلم ومربي، وأن تبدي اهتماماً كبيراً بتحقيق رغباته في النقل ولم شمله مع أسرته وذويه وعدم تشتيته، بعيدا عن البيروقراطية والتعقيدات والمصدات والشروط التعسفية الثقيلة، وأن تتلمس حاجاته ومتطلباته وتحسن وضعة الصحي وتهيئ له الفرص في التطبب وعائلته في المستشفيات المتميزة التي تليق به، وأن توفر له الأمكنة والأندية للترفيه عنه وعن أسرته، وكذلك مساعدته بشتى الطرق للحصول على السكن المناسب الذي يليق به وبمكانته الاجتماعية، وأن تحميه من ظاهرة الاعتداء الجسدي التي يتلقاها من بعض الطلاب المشاغبين، وذلك بسن قانون صارم يطبق على الطالب المعتدي بلا هوادة، إن على وزارة التعليم ولكي ينجح التعليم عندنا، ويحقق الدرجات العليا، توفير كل ما يحتاجه المعلم، وأن تسانده وتعينه وتحقق مطالبه وترتقي به، وأن تحميه من كل المظاهر التي تحاول خدش هيبتة ومكانته وتسيء إليه، وتحشد كل قوتها وراءه، إن جودة التعليم من جودة المعلم، وجودة المعلم من مهام وزارة التعليم الرئيسية نفسها، لأنه الركيزة الأهم لنجاح كل الخطط التنموية، البشرية منها المادية والمعنوية، إننا بهذا المقال لا نريد لوزارة التعليم أن تكون أضعف الحلقات في الأداء الحكومي، بقدر ما نريدها أن تكون أقوى الحلقات أجودها أصلبها وأمتنها، إن وزارة التعليم بحاجة ملحة جداً بالاهتمام بالمعلم، وليس عليها أن تبدأ من الصفر، بل تبدأ من حيث انتهى الآخرون، خاصة أن الدراسات والشواهد والنتائج كلها تؤكد أهمية الاهتمام بالمعلم، لكي ينجح التعليم، وتتقدم الأمة، فهل نرى يا وزارة التعليم التحرك السريع في هذا المجال.