عبدالعزيز السماري
يمكن للمرء أن يتخلى عن واقعه ولو قليلاً، ثم ينظر من أعلى إلى فضيلة نعمة الاستقرار الذي يعيش فيها. كما يمكن للإنسان أن يدرك أهمية الوطن وأمنه في هذا العصر عندما ينظر إلى أوضاع اللاجئين أو المهجرين عن أوطانهم؛ ولهذا السبب ليس الوطن أغنية نرددها في ساعة حنين، أو ذكرى عابرة في أبيات شعر، لكنه ضرورة وواقع لا يجب التفريط به، والجميع مسؤولون عن أمنه واستقراره.
النجاح الوطني يتجاوز مشاريع التنمية؛ فالتقدير أولاً يكون للنجاح في الحفاظ على كرامة الوطن ووحدته وأمنه.. فعندما ننظر إلى الماضي، ونستعرض تجاوزه كثيرًا من المراحل الحرجة والأوضاع السياسية المتفجرة في المنطقة، نستطيع أن نفهم معنى نعمة الوطن؛ فالأوضاع في المنطقة العربية ملتهبة من كل صوب، والفوز لمن يحافظ على وطنه بحمايته من مطامع الأعداء ومؤامراتهم.
عشنا في العقود الماضية أكاذيب الطرح السياسي المؤدلج بالخراب، يأتي في مقدمتها أيديولوجيا القومية العربية، التي كان يبشِّر بها مجرمون في حق شعوبهم، وكانت أشهر مسرحية سياسية على الواقع شعارات الأخوة العربية والمصير الواحد، بينما أثبتت الأحداث عدم مصداقيتها؛ فالمؤامرات كانت تفسد عقول الشعوب المغلوبة على أمرها، ثم جاءت طامة تسييس الدين لمصالح الجماعات المتطرفة والمحافظة، وكاد الواقع يتحول إلى رماد بسبب تلك الرغبة الشريرة في القتل وسياسة الأرض المحروقة.
الوطن ليس أطروحة أيديولوجية، ولم يكن يومًا ما حالة تابعة لواقع سياسي مضطرب، ولكنه واقع جميل وثابت، وله أولويات، لا يمكن التنازل عنها، ويجب أن يستمر كذلك، وسيتحقق ذلك بالعمل جميعًا من أجل سلامته ونقاوته من أطروحات التسمم السياسي. فالتحدي الحالي هو أولاً أمنه من أجل حالة استمرار الاستقرار في أرجائه؛ وبالتالي تتواصل المسارات الكبرى في الاقتصاد والتنمية البشرية.
قد نختلف، وقد نتفق في أمور كثيرة، لكن يجب أن لا يصل حد الاختلاف أو الرغبة في الاتفاق إلى مرحلة الإضرار بالوحدة الوطنية؛ فكل شيء يجب أن يتراجع إذا وصلت الحال إلى التعدي على الاستقرار الوطني؛ ولهذا السبب يخطئ البعض عندما يبشرون بدعوات في صلبها هدف تقويض الوطن ووحدته، وربما تم تجنيدهم بدون وعي لخدمة مصالح أخرى.
هذا باختصار ما لم تدركه جماعات الإسلام السياسي من مختلف الطوائف؛ فقد كان أغلبهم مجرد أدوات في مشاريع سياسية أكبر، هدفها الأول إحداث الفوضى في الأوطان، وذلك عبر رسائل تبدو في ظاهرها نبيل، لكنها في الباطن أداة لتقسيم الأوطان، كما يحدث في اليمن وسوريا والعراق؛ فقد أدمى الصراع الطائفي المسيس الجسد الوطني، وتحول إلى مشروع تقسيم وضعف.
الوطن هو مستقبل الأطفال، ومأوى العجزة، ودار العمل للشباب.. وهو ضرورة قصوى للمجتمعات. والإنسان بلا وطن يتيم بلا مأوى؛ ولهذا السبب يجب أن نحافظ عليه، وأن نحرسه من خلال الوعي بهذه الحقائق، وأن نقف إلى جانب القيادة العليا في مهمتها الصعبة ممثلة في الملك وولي عهده - حفظهما الله -، فهم - بلا شك - الرمز التاريخي للوحدة الوطنية، ومن خلال هذه اللغة نستطيع أن نعبر إلى شاطئ الأمان، ونصل إلى حالة الاستقرار الدائم. حمى الله الوطن، وأدام عزه.