د.عبد الرحمن الحبيب
في اليوم الذي نحتفل به في عرسنا الوطني احتفاءً بوطن الأمن والأمان والتنمية، نقف وقفة إجلال لما يبذله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، من إصلاح منهجي شامل للدولة مع الحزم في التطبيق يؤدي الآن إلى نقلة تطويرية مذهلة، أثمرت فاعلية في الأداء الإداري الحكومي والتنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل ودعم القطاع الخاص، والأداء السياسي الدولي، وكفاءة في ترسيخ أمن المملكة..
ففي ظل الأوضاع المضطربة التي تشهدها المنطقة في كثير من دول الجوار، تشهد المملكة استقراراً أمنياً مع كفاءة مؤسساتها الأمنية ونجاحها المميز على مستوى العالم في مكافحة الإرهاب ودعم السلام الإقليمي والدولي. فعلى النطاق الخارجي أظهر الأداء السعودي أن السعودية قادرة عسكرياً كما هي قادرة اقتصادياً، آخذة زمام المبادرة عربياً لتغطية الفراغ الذي شكله تراجع الدور العربي لبعض دوله، فالسعودية الآن تقود تحالفاً إقليمياً لمواجهة الإرهاب، وتدير تفاهماً دولياً على مستوى المنطقة ككل، وتشارك بشكل رئيسي في الاستقرار الدولي على مستوى العالم..
وعلى المستوى الإداري، أنتجت رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 تفعيل أداء الوزارات والمؤسسات الكبرى، بدءاً من إصدار استراتيجية لكل جهة معنية باعتبارها استراتيجيات جزئية، تنبع وتتكامل مع أهداف الرؤية، وإعادة هيكلة بعض القطاعات وخصخصة أجزاء من بعضها.. واختير للحكومة كفاءات جديدة من الوزراء ونوعية مميزة من خلال زيادة النسبة من جيل الشباب ومن القطاع الخاص ليبث مزيداً من الفاعلية لتنفيذ الأعمال الحكومية.
خطط تحديث جريئة طموحة، وصدمات إيجابية واقعية يمكن تطبيقها لأنها موزعة زمنياً على مراحل قابلة للقياس وللتنفيذ ثم للرصد والمحاسبة، أدت إلى تفعيل العمل الإداري للدولة؛ والأهم من ذلك أدت إلى الاستفادة من مصادر قوة للمملكة كانت غير مفعلة بشكل كامل بسبب الاعتماد على النفط، ومن أهمها مصادر ثلاث حسبما سبق أن ذكر رائد عملية التحول الأمير محمد بن سلمان، وهي: الأهمية العظمى للحرمين الشريفين، والموقع الجغرافي الاستراتيجي للمملكة، والقوة الاستثمارية فيها.
بداية عمل برنامج التحول الوطني انطلقت من تفعيل العمل الإداري والحزم في مكافحة الفساد الإداري والمالي، فأي مراقب للأداء الإداري لمؤسسات الحكومة يلحظ بوضوح حركتها النشطة والسريعة على غير المعتاد في عملها البيروقراطي السابق. السبب في ذلك هو المتابعة الصارمة المتواصلة من قبل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه الأمير محمد بن سلمان، تُتابع فيه نتائج الأعمال الحكومية الكبرى ومدى تطبيقها لخطتها، ومحاسبتها بلغة الأرقام عبر تقارير تفصيلية حية، كثير منها ينشر للجمهور.. صارت المحاسبة جادة وحازمة..
ليست كل المتابعة منوطة بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية فثمة نُظم ومراكز مساندة جديدة: نظام للحوكمة ومركز لقياس الأداء، مركز دعم اتخاذ القرار.. إلخ. نظام الحوكمة يقوم على ثلاثة مستويات لتحقيق رؤية المملكة 2030. الأول على مستوى رسم التوجّهات والاعتماد يتولاها المجلس. الثاني على مستوى تطوير الاستراتيجيات تتولاه اللجنة الاستراتيجية بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية تشرف وتتابع تنفيذ الرؤية. الثالث على مستوى الإنجاز وتنفيذ البرامج تعده الجهات التنفيذية (الوزارات والهيئات..). وفي هذا المستوى يظهر المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة الذي يناط به تعزيز الشفافية ومشاركة المجتمع في متابعة وقياس التنفيذ عبر نشر تقارير دورية مدققة والتزام الجهات بإنجاز الأهداف وإبراز أي تعثر..
هنا سيكون لمركز دعم اتخاذ القرار دور بارز في مواجهة التحديات عبر تسهيل قنوات الاتصال مع الرأي العام، وفهم توجهاته قبل اتخاذ القرار وبعده.. وإيجاد الوسائل المناسبة لتوعية الرأي العام حول القرارات المتخذة والموضوعات المطروحة والقضايا المثارة.. وللمركز مهام أخرى مثل زيادة الرقابة التنظيمية لمتخذ القرار، التعجيل في حل المشكلات، اكتشاف أساليب جديدة للتفكير وفتح فضاء أوسع لحل المشاكل..
وعلى المستوى الاقتصادي، وفي ظل جو من الترقب الحذر بعد انحدار أسعار النفط الذي يعتمد عليه اقتصادنا، بدأت ثمار الإصلاح الاقتصادي.. فرغم بطء تعافي أي اقتصاد أثناء عملية الإصلاح، إلا أن اقتصادنا الوطني أظهر سرعة إيجابية في ذلك، حيث زاد الناتج المحلي الإجمالي بمعدل نمو حقيقي بنسبة 1.2 في المائة في الربع الأول لعام 2018 مقارنة مع نفس الفترة للعام الماضي؛ من حوالي 640 مليار ريال سعودي إلى 648 مليار من قيمة الأسعار الثابتة. فحسب تقرير بلومبيرج فإن الانتعاش سيحقق زخماً خلال بقية هذا العام مع تأثير خطط التحفيز الحكومية.
خلاصة التوقعات الاقتصادية لبقية هذا العام تشير إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي وبالأخص الناتج غير النفطي الذي يتوقع أن ينمو لأكثر من 3.5 في المائة، كل ذلك يجعلنا نتفاءل بتعافي اقتصادنا الوطني وبداية انطلاقته الجديدة وتجاوزه لكثير من التحديات.
بعد سلسلة من سياسات وقرارات القيادة الرشيدة تشكلت حكومة فتية لشعب غالبيته من الشباب ممهدة الطريق لشباب يصنع مستقبله بكل جدارة.. السعودية الآن تمضي في البناء الاقتصادي الممنهج وفق رؤية واضحة وإستراتيجية متماسكة.. رؤية المملكة 2030 التي يديرها محمد بن سلمان تستغل فرصاً وإمكانات هائلة موجودة لدينا شعباً وأرضاً، وتسحق العراقيل لترسخ بناء هذا الوطن العظيم.. وطن الإنجازات..