د. محمد عبدالله الخازم
ماذا يعني لنا الوطن؟ وكيف نرى الوطن في ذكرى تأسيسه؟
سألت هذا السؤال لبعض مَن حولي من أبناء الوطن. اختلفت إجاباتهم، واضطربت مشاعرهم الإيجابية وهم يتبارون في اختيار عبارات الحب والتقدير. حاولت تجاوز الكتابة عن مناقب الوطن ومآثره وأوصافه وأفضاله المادية، وهي لا تحصى. حاولت تصوُّر أحلام كثيرة، ولكنه أمر صعب تحديد حلم تنتظره، ثم يتحقق فتقف مكانك بعدها؛ لأن الحياة حلم لا ينتهي، ومَن يتوقف حلمه عليه مراجعة ذاته. أحلامنا لا تتوقف، تتجدد، تتطور، كلما توقعنا أننا حققنا أو اقتربنا من تحقيق أحدها يُخلق مكانه حلم آخر.. لذا لا أريد التوقف عن نقطة محددة أحلم بها للوطن، وفي الوقت نفسه يرتبط الوطن لدي بالحلم. أتخيل الوطن هو الحلم، والوطن حيث يتاح الحلم. الوطن حيث تكبر أحلامنا، وحيث تنمو فيه شجرة، وحيث يوجد فيه أكسجين تتنـفسه تلك الشجرة.
الوطن لا يرحل عنا وإن رحلنا عنه بأجسادنا، هو داخلنا حالة حب وجدانية، لا علاقة لها بالجغرافيا أو التضاريس، بل بالمشاعر والوجدان. حتى المهاجر ليس بالضرورة كارهًا لوطنه، بل قد يكون هروبه من أرضه محبة لوطنه، أو بحثًا عن وطن يفتقده؛ لذا أحاول تجاوز مفهوم وجود الوطن كمجرد أرض أو جغرافيا، وأراه حيثما يتاح الحلم.
الوطن حيث الحلم متاح.. وأحلام الوطن ليست في مأكل ومشرب ومسكن ووظيفة فقط، وإلا لما عاد المهاجرون، ولما تعب المحاربون، ولما كافح السياسيون. الحب والسعادة والوطن أو الوطنية ومرادفات ذلك تعني حالة وجدانية؛ ولذلك لم يستطع الجميع الاتفاق على وصف الوطن؛ فهو صعب التوصيف، ويختلف الناس في رسم صورته، لكنه حالة تشعر بها وتراها بشكل أبرز في وجوه العابرين والمهاجرين والمغتربين والتائهين داخل حدوده وخارجها. يبحثون عنه كالحلم وحيث يتيح لهم الحلم..
وطني ليس مجرد ماديات وتاريخ تنموي، بل أراه كامنًا أينما يكون الحلم متاحًا. أبحث عنك، أحبك يا وطن يتيح لنا، كبارًا وصغارًا، رجالاً ونساءً، الحلم الجميل. كل عام وأنت يا وطني بخير، وأهلك وزوارك ومحبوك في سعادة. نحتفي بك كل عام بحب ينشد فضاء أكبر للحلم. احلم يا وطني، وأتح لنا الحلم؛ فأنت حيث يُتاح الحلم!