د.ثريا العريض
تابعت عشرات الفعاليات ومئات المقالات, وملايين التحيات للوطن تحتفي باليوم الوطني. ومع كل منها كنت أتوقف لأسأل نفسي: وأنا الشاعرة المعروفة بعاشقة الوطن, هل أجبت في أي قصيدة من قصائدي كيف أرى الوطن؟
الوطن الذي بلغ الآن ربيعه الثامن والثمانين, ولد قبلي فهل أستطيع أن أتماهى مع كل ما مر به من معاناة, وكل ما أنجزه من منجزات في قصيدة أو مقالة من كلمات معدودات؟ كما فعلت مرات ومرات.. وظلت رؤيتي مختزلة له.
كيف نرى الوطن؟
بعضنا جسّده في إثماره الجميل, الفواكه المتميزة المذاق من عنب الجبال إلى رمان الوديان إلى رطب الواحات إلى أسماك السواحل. وبعضنا رآه الحدود التي لا نسمح بأن تهان. وآخرون اختزلوه في عنوان يرسلون إليه رسائل الشكوى من كل ما يعتبرونه تقصير نقصان. وكلنا يراه الحصن الذي يحمي الحرمين ويخدم ملايين الزائرين في موسم الحج أو العمرة الدائم. والآن نراه في إطار رؤية التحول والحزم والعزم التي نحلم معها بتحول الصحراء الشاسعة إلى أرض عطاء وقانون وانضباط والتزام.
أنا رأيته بعيني أم وبصيرة زرقاء في ملامح طفل سميناه يوم ولد «هاشم» تذكيراً بعراقة ارتباطه بالأرض والدين. قرأت الوطن في وجهه يوم ولد في بداية عام 1979.. وقتها لم نكن نعي أو نتوقّع ما سيحمله ذلك العام لجوارنا الخليجي من مآس تتربص في تعديات طامحين من التحفوا برايات وشعارات الكاذبين؛ منهم ذوي العمائم, ودعاة الثورات الراغبين في خلافة مشتهاة يعتلونها ليخضعوا الملايين لطموح جائر ظالم.
كان عمر هاشم 11 عاماً حين أصر أن يرافق والده لميدان التدرب للدفاع عن الوطن حين غزت جيوش صدام الكويت - وعينه على السعودية وكنوز حقول النفط. امتلأت الظهران بالمراقبين والمراسلين والصحفيين. وجود طفل يرتدي بذلة جندي مرقشة, ويتدرب رسمياً على فنون الدفاع والردع والهجوم, لفت انتباه مراسل الـ إن بي سي الشهير توم براوكو سأله وهو يراه يحمل سلاحاً ثقيلاً: كيف تتحمّل ثقله؟ لماذا أنت هنا؟ فرد بعفوية وبساطة طفل: أريد أن أستطيع حماية بلدي من الأشقياء إن وصلوا إلينا. فأفرد له يوماً كاملاً يتابع ساعاته في المدرسة والبيت وميدان التدريب. أذيعت التغطية التوثيقية بعنوان «طفل سعودي»؛ صبي ذكي يستقى حسه بمسؤولية المواطنة من حليب أمه ووعي والده. ويستوعب أهمية سلامة الوطن.
نعم.. بالنسبة لي الوطن هو بريق إصرار الطموح المخلص الذي يلتمع في عيني طفل يرى نفسه قادراً على, ومسؤولاً عن حماية واستدامة أمن الوطن. هو نفس البريق الذي أخاله التمع في عيني صبي ذكي آخر, ولد بعد هاشم بسنوات معدودات؛ محمد بن سلمان بن عبد العزيز, الذي قرّر أن يعيد صياغة معنى الوطن, حاملاً سلاح الحزم والعزم والإصرار. هو أيضاً رضع عشق الوطن من ثقة أمه وعلم والده وتاريخ جده.
* * *
لا تصدِّق عينك, فهي تفسّر ما ترى بما تظن.
لا تصدِّق الببغائي؛ هو يكرِّر ما لُقِّن وقد لا يستوعب.
لا تصدِّق المتشنّج الغوغائي؛ هو يصرخ للاستثارة ليتدفأ بالحريق.
لا تصدِّق السياسي؛ هو يعلم دائماً أكثر مما يخبرك.
لا تصدِّق الدبلوماسي؛ هو يقول ما كلّف بأن ينقل.
لا تصدِّق المؤدلج؛ هو يقول ما يرى بعين فكر مكمّم.
لا تصدِّق المتشيّخ؛ هو يقول ما يؤكّد أنه يستحق أن يملي عليك.
صدّق الطفل, فهو يرسم ما يرى من علاقته بالوطن.. بلا رتوش.