د. محمد عبدالله العوين
بعد انتقال عاصمة الدولة العربية الأولى من المدينة إلى الكوفة في عهد علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عام 36هـ للقضاء على فتنة الانشقاق عليه لم تعد مرة أخرى إلى جزيرة العرب؛ لا إلى مكة ولا إلى المدينة ولا إلى نجد ؛ بل استطاب بنو أمية الشام فأعلنوا دمشق عاصمة لخلافتهم، وحين انهارت دولتهم 132هـ اختط أبو جعفر المنصور مدينة جديدة لتكون عاصمة للخلافة العباسية فاختار موقعا بديلا للكوفة وبني بغداد إلى أن انهارت دولتهم 656هـ على يد التتار، ورأى العثمانيون العرب أتباعا لهم، وجعلوا من بلادهم غنيمة وكنوزا تجبى إلى استانبول، فسلبوها عناصر القوة وعاملوا العرب بالبطش والجبروت، بل شنوا على أول دولة قامت للعرب على يد الإمام محمد بن سعود حروب العنصرية والكراهية ؛ لئلا تقوم للعرب دولة تحميهم وترفع رايتهم وتحقق أحلامهم في القوة والتحضر والعيش الرغيد.
أما الممالك الإسلامية المتناثرة في الأصقاع كقاهرة الفاطميين وقرطبة الأمويين -على سبيل المثال- فما كانت جزيرة العرب لهم إلا مكانا يضم الحرمين الشريفين .
ألف ومائة وواحد وعشرون عاما من 36 - 1157هـ أهملت فيها العواصم السياسية العربية في دمشق ثم في بغداد جزيرة العرب، بل ناصب الأتراك قبائل الجزيرة ممثلين في الدولة السعودية الأولى ثم الثانية العداء ؛ فشنوا عليها الغزوات وارتكبوا باسم « الخلافة « المزعومة أبشع الجرائم فدمروا وقتلوا واستباحوا ونهبوا وفرقوا ومزقوا شمل دولة ناشئة واعدة كانت حلم العرب والمسلمين، ولكن الله تعالى نصر أئمة الدولة السعودية وقادتها الأفذاذ ؛ فأعادوا بناءها من جديد وقاوموا مع قبائل العرب مكايد الأعداء، فبعد أن ارتكب الطغاة العثمانيون بواسطة العميل المجرم محمد علي باشا الذي أرسل ابنيه إبراهيم وطوسون في حملتين عسكريتين أشد أنواع البطش والطغيان وأسقطوا الدولة الأولى ممثلة في الإمام عبد الله بن سعود بن عبد العزيز بن محمد 1233هـ نهض المؤسس الثاني تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود بمهمة استعادة الدولة من جديد 1240هـ وجدد ابنه الإمام فيصل بن تركي مجد الدولة السعودية الثانية إلى أن أثرت تدخلات الأعداء الأتراك في إضعاف الدولة بخلق الفتن والاختلافات مما دعا الإمام عبد الرحمن بن فيصل بن تركي عام 1309هـ إلى ترك الرياض والاستقرار بعائلته في الكويت.
لكن ابنه عبد العزيز الشاب الطموح المتوقد ذكاء ودهاء وبسالة نهض بعد عشر سنوات من هجرة عائلته إلى الكويت بمهمة بطولية خارقة لاستعادة الدولة وتحقق الحلم الكبير باستعادة الرياض عام 1319هـ وقامت الدولة السعودية الثالثة التي نتفيأ ظلالها ونعيش أمجادها الآن .
ومما يؤسف له أن جزيرة العرب التي كانت الخزان البشري الذي أنتج القادة الفاتحين والعلماء والشعراء والرواة والمبدعين أهملت ؛ أهملها الخلفاء وعقوها وضيعوها ألفا ومائة وواحدا وعشرين عاما إلى أن حقق الإمام محمد بن سعود حلم الدولة لقبائل الجزيرة العربية لأول مرة في تاريخهم بعد هجرتها إلى الكوفة عام 36هـ.