محمد عبد الرزاق القشعمي
اللغة هي وسيلة الاتصال بين البشر في شكل أصوات منظمة، والكلام يتم بواسطته تبادل الأفكار بين شخص وآخر، وقد بدأ الكلام بالإشارة ، فالطفل يبدأ في تقليد أمه أو من يرعاه بطلب حاجته مستخدماً حركات معينة ثم يلي ذلك الكلام بالنطق برموز صوتية تدل على أشياء مادية أو معنوية أو على صفاتها، وعلم الكلام في اللغة هو المنتظم من الحروف المتميزة متفق عليها.
ولا شك أن الكتابة أشد أثراً في تطور العقل البشري ونموه من الكلام المسموع إذ إنها تنقل الأفكار إلى مسافات بعيدة وتدونها فلا تتلاشى، وبها أمكن للإنسان أن يفيد من تجارب الأجيال السابقة) .
لا أحد يعرف كيف بدأت اللغة، فمن المحتمل أن اللغة وجدت منذ ظهور الجنس البشري، وليس هناك سجل للغة يغطي معظم فترات وجودها، إن الدليل الفعلي الأول للغة هو الكتابة، إلا أن الباحثين يعتقدون أن الكتابة لم تظهر إلا بعد نشوء اللغة المنطوقة بآلاف السنين، والمعروف حتى الآن هو صور الكلمات السومرية الموضوعة في حوالي عام 3500ق.م.
والكتابة الهيروغليفية المصرية التي تعود إلى عام 3000ق.م تقريباً، وتعود الصينية المكتوبة إلى حوالي عام 1500ق.م. والإغريقية إلى عام 1400ق.م، على وجه التقريب، واللاتينية إلى حوالي عام 500ق.م.
أما أقدم نص وجد مكتوباً بالعربية الفصيحة فهو نقش النَّمارة الذي يرجع إلى عام 328م ولكنه كان مكتوباً بالخط النبطي، ويلاحظ في ذلك النص التطور الواضح من الثمودية واللحيانية والصفوية إلى العربية الفصيحة .. ولم يتحرر الخط العربي من هيئته النبطية إلا بعد أن كتب به الحجازيون لمدة قرنين من الزمان، فظلت الكتابة العربية قبيل الاسلام مقصورة على المواثيق والأحلاف والصكوك والرسائل والمعلقات الشعرية، وكانت الكتابة آنذاك محصورة في الحجاز.
والكتابة نظام للاتصال الإنساني بوساطة الرموز البصرية أو الإشارة وترجع أكثر أطوار الكتابة بدائية إلى الإنسان القديم. أما أول نظام متطور للكتابة فلم يظهر إلا منذ5500 سنة مضت.
أما الكتابة العربية فقد اختلف حول نشأتها فقيل إنها كانت توقيفية، أوحى بها الله تعالى لآدم أو إدريس أو هود، ووصلت إلى اسماعيل عليه السلام بعد انحسار الطوفان، ثم انتشرت، والرأي الآخر يقول أن الكتابة العربية اشتقت من الخط المسند الحميري الذي يُعرف أيضاً باسم الخط العربي الجنوبي، وأن هذا الخط وصل إلى موطن المناذرة وبلاد الشام عن طريق القوافل التجارية التي كانت تتنقل بين جنوبي الجزيرة العربية وشمالها، ثم تنتقل عن طريق الحجاز إلى بقية الجزيرة.
وتوصل الباحثون والمؤرخون إلى إثبات الصلة الوثيقة بين الكتابة العربية والكتابة النبطية، بل وأثبتوا أن الأولى استمرار متطور للثانية التي انحدرت من الكتابة الآرامية المتطورة عن الكتابة الفينيقية، اعتماداً على أهم النقوش والمكتشفات الأثرية.
حملت هذه النقوش مجموعة العناصر التي تألفت منها الكتابة العربية، سواء في رسمها أو إملائها أو اتصال حروفها وانفصالها، وقد رجح الباحثون أن الكتابة العربية نشأت ونمت بين عهد نقش النمارة ونقش زبد، واعتبروا أن نقش حراَّن يمثل آخر مراحل الانتقال من الكتابة النبطية إلى الكتابة العربية.
ويقول ابن النديم في الفهرست: إن وثيقة بخط عبد المطلب بن هاشم جد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت محفوظة في خزانة كتب المأمون، ويذكر البلاذري في فتوح البلدان أسماء أربعة وعشرين شخصاً من مكة كانوا يعرفون الكتابة والقراءة في تلك الفترة، سبعة عشر من الذكور وسبع من النساء. أما في يثرب فقد كانت الكتابة أقل انتشاراً.
وكان من الطبيعي أن يقوم الإسلام بدور كبير في تطور الكتابة العربية وانتشارها، فلقد حمل معه العوامل التي فرضت اتساع ساحة استخدامها، وكانت أول سور القرآن الكريم تحض على معرفتها، وشجع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على تعلمها، وجعل فدية كل أسير من أسرى المشركين في معركة بدر ممن يعرفون الكتابة تعليمها لعشرة من صبيان المسلمين، فزاد عدد الكتبة كثيراً خلال مدة وجيزة، وأصبحت المدينة أول مركز لتطور الكتابة العربية.
وكان للعرب لغات مختلفة باختلاف اللهجات، وكان هناك اللغة المشتركة، وهي لغة الشعر والخطابة والحوار في دار الندوة، والمفاخرات التي تعقد في أسواق العرب، وهي اللغة المصطفاة من خصائص لغات القبائل العربية .. وجاء القرآن ممثلاً أعلى مستوى من مستويات الفصاحة والإعجاز لأنه نزل بسبعة أحرف كلها شافٍ كاف، وقرئ بقراءات متواترة مثلت لغات العرب.
واللغة العربية إحدى أكثر لغات العالم استعمالاً، وإحدى اللغات الخمس الرسمية في هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها، وهي اللغة الأولى لأكثر من 200 مليون عربي، واللغة الرسمية في 18 دولة عربية، كما يجيدها أو يلم بها نحو 200 مليون مسلم من غير العرب إلى جانب لغاتهم أو لهجاتهم الأصلية، ويقبل على تعلمها كثيرون آخرون من أنحاء العالم لأسباب تتعلق بالدين أو بالتجارة أو العمل أو الثقافة أو غير ذلك.
والعربية هي اللغة السامية الوحيدة التي قُدر لها أن تحافظ على كيانها وأن تصبح عالمية، وما كان ليتحقق لها ذلك لولا نزول القرآن الكريم بها.
والعربية تتطور كسائر اللغات، فقد أميتت مفردات منها واندثرت، وأضيفت إليها مفردات مولدة ومعربة ودخيلة، وقامت مجامع اللغة العربية بجهد كبير في تعريب كثير من مصطلحات الحضارة الحديثة.
وقد أبان العلماء أن هناك حوالي 3000 لغة منطوقة في العالم اليوم، ومن بين هذه اللغات توجد 19 لغة يتكلم بكل منها ما يربو على 50 مليون نسمة من غير أهلها؟ وهي: العربية والبنغالية والصينية والانجليزية والفرنسية والألمانية والهندية والإيطالية واليابانية والكورية والملايوية والبرتغالية والبنجابية والروسية والأسبانية والأردية ..الخ.
ويتعلم معظم الناس لغاتهم بطريقة تلقائية، فيشعر الأطفال الصغار بالحاجة للتعبير عن احتياجاتهم الخاصة، ومن ثم يبدأون بالاستماع إلى الكبار وتقليدهم. ثم يتعلمون تدريجياً انتقاء ونطق الأصوات المستخدمة في اللغة السائدة في مجتمعهم.