لو (تدبر) المسلم بآي القرآن لأخذ من التربية ما يطوّق عنقه ويسدّ رمقه
وهذا نهر للأسف كلنا مقصّرون من الورود منه، سوى نزر ممن أكرمهم ربي أن ينهلوا من كتابه آنَاء اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، فلا يملوا أو يكلّوا
وهذه - المادة - نقطة من ذاك البحر...
ليُعلم أن لفظة (حتى) عند اللغويين غائبة
أي: لغاية ... أن يعي من الفهم والعمر العضيد لذاكا، و قد تكامل فهمه وتراصّ وعيه
وعندئذ فقط يمكنه أن يبشّر بما بلغه ، فينشر ما لديه
أحسبني - و في أكثر من مادة - نبهت على نصح المتقدمين إلى التنبيه في عدم التعجل في التأليف!
جهابذتنا لم يقصّروا فقد عصروا لنا تجاربهم وقدموها بأقداح تغري الناهل والناهم معاً
وكان مما أثر عنهم إلى أن المرء لا يسأل عن المدة أو متى طرحت عطائك و..
بل كيف بلغت متونه، وأُكرمت ببلوغ مرامه..
ومن هنا فإن من لديه مادة… وإن (تكاثف زخمها أو تقارب مؤالفة ما بين شواهدها) فليضعها في أرشيف مستقلّ، لكن
لا يخرجها - يقدمها- للقارئ ، فيتعذّر عليه الرجوع بعدها مما أبرم بها، أي مزالق ما فيها أو حتى وهن بناؤها
ولهذا - كسبب آخر- نحا العقلاء لمن وقع ولا عذل يعيد اللبن إلى الضرع/
اتخاذ التراجع سبيلاً مخففاً، لأنهم تواطأوا على أن (الاعتراف هادم للاقتراف)
فالمرء معرّض وهو يتنفس الحياة أن يزداد علماً، وتتوسع لديه المدارك
بل إن ما كان يرفضه بالأمس إلا وقبله اليوم ... إلخ
فـ (لا يثبت على رأيه إلا الموتى والحمقى)!
ومن ثم اتخذوا من (المراجعة) منحى تعذير- لهم- ، وخط رجعة عمَّا تعجلوا به
بخاصة ذاك الذي لم يتم - بعد- لديهم ما يمكن أن يقوم على حاله /عوده
بشرط هام و هو( مع) المراجعة /
التصريح - الإعلان- بالرجوع، والذي هو دأب كل من يروم الحق، وديدن من لا يطلب ولا غيره
أي أن ينشر تراجعه لا أن يضمره، فيضع المتلقي في خلط!
فهذا أبو الحسن الأشعري أمضى (40) سنة في الاعتزال ثم هداه الله للحق فصعد على المنبر وقال:
(إني أبرأ مما كنت فيه وأنا على عقيدة الإمام أحمد وما عليه الصحابة) رضي الله عنهم و.. رحمه الله
ولعل آية- العنوان- (حتى إذا بلغ أشده..) فاتضح له ما كان سبق إلى فهمه سابقة استعجال أنه يمكنه أن يراجع ما لديه وبالتالي يسهل عليه بناء الفكرة - متكاملة -
لا عوج فيها و لا أمتى
وهذه أسهل طريقة ناجعة، وهي أقرب رحماً للعلم ..
هذا، بدلاً أن يعود لما قدم وقدّمه..
فيعتذر بطويل خطاب مبدياً إما عن الأسباب أو متشفعاً بالأعذار التي إلا وفيها حنف عن الصراط السوي، أو جنف من الحق غير الخفي بل قيل (إياك وما يعتذر من) أي لا تحيج نفسك فتحرجها .. إلى ما يلزمها بعدها /أن تعتذر
** **
- عبدالمحسن بن علي المطلق