سمر المقرن
حكاية تمتد من الولادة إلى الممات، هو الوطن الذي أتنفسه بالذكريات الجميلة والواقع المشرق. ما زالت كثير من الصور والمشاهد والتي مرّ عليها سنوات طويلة تعود إلى ذاكرتي في هذه المناسبة. أتذكر عندما كنت أدرس في الصف الأول الابتدائي، كانت أول حصة في مادة الرسم طلبت منّا المعلمة أن نرسم أي صورة تعجبنا المهم أن يكون عليها العلم السعودي، بصراحة لم يكن لدى جيلي مواد وطنية مباشرة كما هو الوضع الآن في تدريس المواد الوطنية، لكننا كنّا جيل نتشرّب المبادئ الوطنية في كل ممارسات حياتنا، كان الوطن حاضراً في كل المواد الدراسية، كانت الأنشطة المدرسية دائماً تركز على الوطن، ما زلت أتذكر حفل الأمهات وأنا في الصف الثالث ابتدائي عندما تم اختياري لأقوم بقيادة فريق لغناء: (روحي وما ملكت يداي فداه.. وطني الحبيب وهل أحب سواه) وجه أمي وأنا أقود الفريق ملوحة بيداي وأغني، ما زال بين عينيّ وجه أمي وهي تمسح دموعها، كنت أغني بعمق وتأثر وكانت الفتيات الأخريات يرددن ورائي النشيد ويرفعن العلم السعودي.
يزورني الحنين للأماكن، حي الملز له رمزية وطنية خاصة عندي، ولدت فيه وعشت فيه سنوات طفولتي الأولى. كان هذا الحي يتزين بجبل (أبو مخروق) الذي كان يعتبر أحد أهم الأماكن التي نقضي فيها إجازة نهاية الأسبوع حيث ألعب هناك وأمارس كل أنشطتي الطفولية، كانت تأخذنا والدتي إلى هناك وتجتمع مع صديقاتها وجاراتها ونقضي أجمل أوقات اللهو البريء. وهذا المنتزه لم يكن للتسلية والترويح فقط بل كان يحمل قيمة تاريخية عظيمة حيث كان المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله يذهب إليه لمتابعة سباقات الخيل.
من حي الملز إلى حي المربع الذي تعيش فيه جدتي لأبي، وإلى حي السليمانية الذي تعيش فيه جدتي لأمي -رحمهما الله- كانت خطواتي الصغيرة تعبث على أرصفة تلك الأحياء، هذه الأحياء الثلاثة مع ما تبقى من ملامحها، ما زالت تُمثل لي (وطنا) ففيها نبض قلبي أولى نبضاته بحب الوطن.
حقيقة أقولها، أفتخر كوني سعودية لأنني أنتمي إلى أرض شرفها الله بحمل رسالة موجهة إلى كل العالم. ولأنني في وطنٍ إنساني بالدرجة الأولى حيث كنت وما زلت شاهدة على وصول أياديه البيضاء إلى كل المنكوبين واللاجئين والمحتاجين والمستغيثين في كل أطراف وزوايا هذا العالم. ولأنني أرى بلدي اليوم من أقوى الدول التي تصنع القرارات على مستوى العالم.
الوطن هو: سمائي التي لا تشيخ فيها غيمات المحبة، وتظل دائماً شابة ناضجة تهطل بالسلام والإنسانية والحياة. هو عائلتي التي أنتسب إليها بفخر وأشعر باليتم الحقيقي كلما ابتعدت عنها. هو الحب الحقيقي الذي يتعالى على خلافات العاشقين ولا يعترف إلا بالمشاعر الأصيلة، تلك التي وإن انتهى الزمان لا تموت.