عبدالوهاب الفايز
كلما توسعت احتياجات مجتمعنا، وكلما توسع مشروع التحديث والتطوير لبلادنا نجد أنفسنا أمام حاجة وطنية ملحة.. وهي ضرورة استكمال وتعزيز بناء (منظومة الإعلام السعودي) لكي يكون مسانداً وداعماً ومبادراً إيجابياً في مشروع التحول الوطني، وليكون شريك النجاح الأساسي في (التواصل وإدارة التغيير). ما نتطلع إليه هو إعلام الحقبة الجديدة، الحقبة الواعدة بأمور إيجابية قريبة وبعيدة. المراقب للمشهد الوطني بهدوء يرى التالي: من الأمور الحيوية التي غفلنا عنها في غمرة الانبهار بظاهرة الإعلام الجديد، وهو تواصل من طبيعته الاعتماد على الطابع البصري والتركيز على تداول المعلومة والأخبار بدون الدخول إلى عالم الأفكار الأساسية التي تؤسس لبنية التغيير على المدى البعيد، في غمرة النشوة هذه غفلنا عن أهمية استثمار منظومة الإعلام التقليدي/الأساسي ليكون أداة محفزة وداعمة لمشروع التحول الإيجابي الكبير الذي نمر به.
مع الأسف ركّزنا جهدنا وأنفقنا بسخاء مواردنا المالية على تسويق جزئيات فرعية في المشهد الوطني ونسينا (ضرورة بناء الإجماع الوطني) المتفاعل الداعم والدائم لمشروع التحول الذي نشهده الآن، ويمثّل فرصة تاريخية، حيث جدّد حيوية الحكم وحيوية الشعب، ويكرّس مبادئ العدل، ومبدأ النزاهة ومحاربة الفساد، فعلاً نحن أمام فرصة تاريخية. الذي يحتاجه إعلامنا هو برنامج وطني متكامل يجمع شتات الجهود، والأموال والفرص الاستثمارية. هذه هي ملامح البرنامج الذي نتمنى رؤيته وتحقيقه، ويتكون من عدة مشاريع وهي:
أولاً: حجر الزاوية في هذا البرنامج هو مشروع يستهدف المؤسسات الصحفية القائمة، إعادة تمويلها لبناء مشاريع رقمية جديدة، تحمل جزءاً من تكاليف التحرير الميداني لمدة ثلاث سنوات، لمساعدتها للاستمرار في تغطية الحراك الكبير في القطاع الحكومي الذي يتطلب مواكبة سريعة من الصحف. فالمؤسسات الصحفية هي قاطرة الإعلام المحلي، ومهما كانت الأسباب والظروف التي أدت إلى تراجعها، تبقى الذراع الإعلامي الوطني الضروري للتنمية الوطنية.. وللإدارة السياسية للدولة.
ثانياً: مشروع قادة الرأي.. ينفذ مع جمعية كتّاب الرأي السعودية، يهدف إلى إنشاء منصة إعلامية تجمع مقالات كتّاب الرأي، ومساعدتهم لإنشاء أرشيف وطني لمقالاتهم، وأيضاً مساعدة الكتّاب لجمع إنتاجهم الفكري وإصداره في كتب رقمية ذكية تفاعلية تحت مظلة مشروع موحّد للكتّاب السعوديين.
ثالثاً: إنشاء مشروع لجمع المجلات الشهرية والفصلية والسنوية الثقافية والعلمية الصادرة عن أصحابها، مثل مجلة العرب، الدرعية، المكتبات، البحوث الفقهية المعاصرة.. وغيرها من المجلات المتميزة، أو الصادرة عن الجامعات والمراكز المتخصصة، بالذات المجلات العلمية المحكَّمة، وهذه المشاريع ثروة فكرية وطنية بدأت تتراجع مخرجاتها بحكم عدم مواكبة صناعة الإعلام الجديد، وهي أيضاً ثروة استثمارية إذا تمت تهيئة محتواها حسب متطلبات النموذج التجاري الذي نجح وتعمل به الآن بعض المؤسسات الإعلامية الغربية واستطاع أن يقدّم شركات إعلامية تستثمر المحتوى وتستفيد من معطيات الثورة الرقمية، والآن تقدّم هوامش أرباح هي الأعلى.
رابعاً: إنشاء برنامج المذيع السعودي، وهنا أمامنا مشروع لاستقطاب 200 شاب وشابة على مراحل، في المرحلة الأولى يتم تأهيلهم وتدريبهم على أدبيات العمل الإذاعي ومهاراته، وكيفية بناء وإنتاج المحتوى الإعلامي، ولدينا الآن عدد كبير من المذيعين المتميزين الذين تَرَكُوا الإذاعة في السعودية وفِي عدد من الدول العربية، هؤلاء بإمكانهم إنجاح هذا المشروع وتكوين نواة لمشروع مستدام لتأهيل وتدريب الموارد البشرية. والنجاح في الإذاعة أصعب من التلفزيون. خامساً: مشروع متخصص بالبرامج المرئية والبصرية، بحيث يستهدف تأهيل وتدريب 200 شاب وشابة على متطلبات الإعلام المرئي بمختلف وسائطه.
خامساً: مشروع التأهيل الصحفي تديره هيئة الصحفيين السعوديين بالتعاون مع الجامعات السعودية، يستهدف تأهيل وتدريب 300 طالب لإيجاد الصحفي المحترف متعدد المهارات.
سادساً: مشروع لإيجاد شركة سعودية مساهمة للإنتاج الدراما التلفزيونية، ولهذه منافعها الوطنية العديدة. سابعاً: مشروع تطوير صحيفة أم القرى لتكون مؤسسة إعلامية وطنية تستقطب 200 صحفي وكاتب، وهذا مشروع ضروري لاستيعاب مخاطر الفراغ الإعلامي بسبب الوضع الذي تمر به المؤسسات الصحفية السعودية. وهذا المشروع تتوافر له كل عناصر النجاح.
ثامناً: شركة الخدمات الإخبارية الخاصة.. تتخصص بالأخبار والتقارير والموضوعات الإعلامية المنوّعة على المستوى الوطني (محتوى محلي)، بالذات في المدن الصغيرة والمتوسطة المهملة من اهتمامات الإعلام. (نواة هذه الشركة موجودة وسبق الاتفاق عليها بين واس والتلفزيون).
تاسعاً: إنشاء شركة وطنية تتولى خدمات الإعلان، من إبداع وتخطيط وتسويق وتأهيل، وكذلك خدمات العلاقات العامة، وهذا الكيان سيكون ذراعاً لخدمة برنامج التحول الوطني، إذ سيوجد المؤسسة المحترفة في إدارة الصورة الذهنية، وهذا ما نحتاجه الآن لمقاومة المحتوى الإعلامي السيئ الذي يستهدف اغتيال الشخصية الوطنية، بكل مكوناتها، الإنسان، الأرض والتاريخ. وهذا مشروع منافعه متعددة وسبق أن تحدثت عنه كثيراً في كل مرة نرى ظروف تحول أو تغيّر في مسار الإعلام. مخرجات هذا البرنامج الكبير إذا تأملنا، عائدها الوطني متعدد الأبعاد ومتعدي الأثر، فمن مصلحتنا تحويل الإعلام السعودي ليكون (منظومة متكاملة) تنتج المادة الإعلامية المحترفة بحيث تعظم الفائدة المضافة للاقتصاد الوطني، والآن مع توسع مسارات تقديم المحتوى لم يعد الإعلام سوقاً صغيرة، إنه يتحول الآن ومستقبلاً إلى صناعة استثماراتها وعوائدها تدخل خانة المليارات، صناعة حاضنة للمشاريع المتوسطة والصغيرة، ومولدة للوظائف والأهم: (لها رسالتها السياسية الوطنية).