د. خيرية السقاف
يمضي الإعصار بدوَّاماته في طريقه لا يعبأ بشيء..
يلف ماء الأرض, لا يتوانى..
لا يعبأ بحواف الشواطئ المرتبة بفناراتها, ومراسيها..
ولا بالقوارب الصغيرة التي تحمل الحالمين لجوف الماء يرسلون ابتساماتهم, يزفرون أنفاسهم مع كل طيف يلوح في مخيلاتهم, أو صوت يلقي مع انسيابه السلامَ على أرواحهم, أو موجة تداعب أنوفهم, وجباههم, تلقي التحية إليهم فيجيبونها بضحكاتهم, وأهازيجهم..
ولا بأولئك الصيادين يقتاتون من البحر لقمة عيشهم, ويعودون وقد أفضوا بمكلوم صدورهم مع كتل الصيد ترجف بين أيديهم..
ولا بتلك الفنادق, والمقاهي المتاخمة للشواطئ يترك فيها بقاياه الفائضة الزائرون, والمُستَضَافون, والهاربون من الهموم, والمبتهجون المحتفون بأفراحهم, والموعودون بصفقاتهم, والقادمون من الأقاصي بأعبائهم..
لا يعبأ بأولئك القاطنين على حوافها ببذخهم, أو العاملين في منشآتها بجهودهم, أو الساهرين لسلامها..
يمضي الإعصار يتسع بعينه الموحشة, وسطوة دوَّامته المفزعة يسطو على البناء, والعمار, والبشر, والشجر, والحلم, والمال, والصغار, وكتل الأسمنت, ومتانة المعادن..
يحطم المدرسة, والمصنع, والحافلة, والراكب, والراجل, لا يبالي أن يفزع النائم, واليقظ..
كل الأقوياء لا يجارونه, كل الأفكار التي خُطِّطت, والأموال التي سُفِحت, والسواعد التي بنت, والآلات التي عَمَّرت, والسواعد التي أنشأت, والسجلات التي كُتبت ودونت, وكل الآثار التي تجسَّدت, حُملت ونهضت على أرض الإنسان جرفها وهو يعتو لا مباليًا بأحد, ولا بشيء منها, إعصار عتيٌ, حِمميٌ, يجرف يبطش بكل المقدرات, والأرواح, والمنشآت, ومكاسب الإنسان..
هذا الإنسان أمامه بكل ما بين يديه من ذلك واهن, خاسرٌ...
الإعصار وهو يطوف بالبحار, يمر بقوته على الأمم الناهضة, والشعوب المتسيِّدة في أرضها فيكسح بالماء, والرياح, والقوة, والعنف ما بين أيديها من الرفاه, والإنسان, والبناء, إنما يقول كلاما كثيرا, يلقيه ثم يمضي, دون أن يترك حرفًا في درسه العميق للقراءة العميقة!!..