د.علي القرني
كنت قد كتبت مقالين عن: هل غير دونالد ترامب العالم؟ وما دمنا في سياق التغير، فلربما من المناسب أن نكتب اليوم عن التغيير في العالم، وتحديدا خلال المستقبل البعيد، أي خلال الفترة إلى منتصف القرن الحادي والعشرين وما بعده إلى نهاية القرن الحالي.
إن العالم تتسارع فيه الأحداث وتتوالى فيه المستجدات، ولكن لا يعرف العالم ربما أين يتجه، وما هي سبل التغيير التي ستمر بها البشرية خلال القرن الحادي والعشرين. ولا شك أن الدراسات الاستشرافية قد تقودنا إلى مؤشرات توضيحية تهمس في آذاننا بأن العالم سيصبح كذا، أو أن العالم يتجه إلى كذا.
والعالم العربي ضعيف جدا في الاعتماد على هكذا دراسات استشرافية نحو المستقبل. وأحيانا التحدي الكبير ليس هو معرفتك بالتغيير بل كيف تؤثر على التغيير؟ فالتغير هو حتمي تحت أي ظرف وفي أي زمان، ولكن قدرة الدولة والمؤسسة والمجتمع ربما في إدارة التغيير وتحويلها إلى صالحها قدر الإمكان هو الركيزة الأهم في التغيير.
والكتل البشرية الكبرى ستغير خارطة الكون خلال القرن الحادي والعشرين، حيث من المتوقع أن تصبح الهند الدولة الأولى في أعداد السكان في العالم وتتخطى الصين بحلول عام 2040 أي خلال العشرين عاما القادمة. كما أن الانفجار السكاني الهائل سيوصل العالم إلى 9 بليون نسمة بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين وإلى عشرة بلايين نسمة بنهاية هذا القرن، مما سيؤدي إلى تغيرات كبرى في الحركة البشرية في كل دولة من دول العالم.
أما على صعيد المدن، فسيزداد سكان المدن إلى الضعف خلال الفترة حتى منتصف القرن الحادي والعشرين، حيث يقطن 3.5 بليون نسمة في المدن حاليا، وسيرتفع بحلول 2050 إلى 6.5 بليون نسمة في المدن، مما يسبب اكتظاظا هائلا بالمدن وسيعيق التنمية المدنية، وسيؤول ربما إلى فوضى هائلة في الخدمات والمشاكل الاجتماعية الكبرى في المدن.
كما سيشهد العالم صراعات كبرى وحروب قتالية على المياه، لشح المياه وندرة مصادرها خلال القرن الحالي، ومن المتوقع أن تحدث الكثير من الحروب في هذا الشأن. ومشكلة الطاقة هي مشكلة كبرى ستواجه العالم، فلن تكفي كل مصادر الطاقة الحالية حتى الطاقة الشمسية لتوفير خدماتها للحياة البشرية بنهاية القرن الحادي والعشرين. ولهذا فلغز الطاقة يحير العلماء، لأنهم لا يعلمون علم اليقين أين يتجه العالم نحو موضوع الطاقة. كما سيشهد العالم اختفاء نهائيا لحياة بعض المخلوقات، حيوانية ونباتية، حيث يقدر بعض العلماء باختفاء 75% من هذه المخلوقات خلال مئتي عام إلى ألفي عام بالتدريج.
هذه نماذج من بعض التغيرات الحتمية على البشرية والتي ستشكل ضغطا هائلا على الحياة للإنسان أيا كان، ولكن هل هناك استعداد لهذا التغييرات؟ لا أظن ذلك، فالعالم فقط ينتظر لحظة الحقيقة التي ستأتي تدريجيا، لكن حتميا. وتعمل كثير من مؤسسات التعليم ومراكز التغيير والتفكير لمناقشة هذه التحولات الكبرى في العالم حيث يعقد لها مؤتمرات وندوات وورش عمل من أجل مناقشة الخطر الأكبر الذي سيجتاح العالم خلال العقود القادمة.
وهناك أنواع أخرى من التغيير في العالم مبني على صراعات عالمية، ورسم خرائط سياسية جديدة يكون للدول العظمى دور محوري في هكذا تغيرات. وما نحتاجه نحن في المنطقة العربية والإسلامية هو أن نجلس معا لنتناقش في مثل هذه التغيرات والتحولات، وقياسها بمقياس مصالحنا الإستراتيجية، والعمل على إدارة التغيير في منطقتنا وربما في العالم.