د. محمد عبدالله العوين
انقضت أربعة عقود على حادثة الحرم المؤلمة وتلتها أحداث سياسية كبرى عصفت بالمنطقة ؛ كالحرب الإيرانية العراقية التي امتدت تسع سنين، ولم نكد نلتقط أنفاسنا في المنطقة العربية إلا وغزا صدام حسين الكويت ؛ فكان حدثا مدمرا لمفهوم الجوار ومعنى العروبة وشرخا كبيرا بالغا في الأمة العربية ظهر من خلاله المخبأ من المكايد والمضمر من النوايا لدى عدد من الأنظمة السياسية الهوجاء وجماعة الإخوان المسلمين التي كانت السباقة إلى رفع صوتها عاليا في الشوارع وعلى المنابر وعبر وسائل الإعلام باستباحة دول الخليج وتقاسم ثرواتها وإسقاط أنظمتها ومنح صدام حسين مشروعية احتلال الكويت وغيرها من الدول الخليجية.
وقادت المملكة تحالفا دوليا أعاد الأمور إلى نصابها وحرر الكويت؛ إلا أن العراق لم يعد بعد سقوط نظام البعث بقيادة صدام إلى العرب؛ فقد سلمه الغزو الأمريكي إلى إيران، وهذا ما منح إيران جرأة على التمدد ورغبة في الهيمنة على دول المنطقة؛ مما دفعها إلى مزيد من تحقيق أطماعها؛ فوضعت خطة إقليمية مشتركة (إيران وقطر والإخوان بدعم مخابرات دولية) لإشعال نار (ربيع عربي) لإثارة الفوضى فيها وإعادة رسم خرائطها، وهكذا اشتعلت الحرائق في أربع دول، وسعت المملكة إلى مقاومة ثورات الخراب وكبح تغول مجوس «ولاية الفقيه» في الديار العربية؛ فمدت يدها إلى مصر لإنقاذها من التدمير، ثم انطلقت عاصفة الحزم لتنقذ اليمن وتؤمن حدود بلادنا من الجنوب.
« وداوني بالتي كانت هي الداء» كانت هجمات 11 سبتمبر 2001م الموافق 22 جمادى الآخرة 1422هـ حدثا مؤلما وخطيرا على المستوى الدولي؛ فقد خرج الفكر المتطرف من جهيمان الذي أغضب المسلمين وأثار استنكارهم إلى دائرة أوسع عالميا بأن استهدف متطرفو القاعدة التلامذة البارون في مدرسة الإخوان المسلمين ما تشعر أمريكا بأنه يمثل شموخها وشارة تقدمها الاقتصادي والحضاري بضربهم أبراجها في نيويورك، ودس منظمو تلك الجريمة خمسة عشر سعوديا متطرفا ضمن عصابة الشر التي ارتكبت ذلك الإثم ليثيروا أمريكا على بلادنا، ولكن العقلاء من الساسة الأمريكيين وغيرهم من المنصفين - مهما علا ضجيج الأحقاد - يعلمون أن السعودية قد تبرأت من ابن لادن وسحبت الجنسية منه، وتبرأت من كل متطرف تكفيري ولاحقت من ثبت عليه ارتكاب جريمة باعثها التطرف في الداخل أو الخارج.
تجرعنا مرارة انغلاق ثلاثة عقود بعد فتنة جهيمان؛ لكن أحداث 11 سبتمبر المؤلمة كانت من جانب آخر دافعا قويا لضرب التطرف بكل اتجاهاته الفكرية والأيدلوجية، فشن الأمن السعودي حملات عسكرية شجاعة على مخابئ المتطرفين وكشف خلاياهم وما أضمروه من شر للبلاد وقيادتها، وبتواز مع المواجهة العسكرية دخلنا في منازلة فكرية وثقافية مع التطرف منذ 1422هـ إلى هذه اللحظة.
غير أن نوعية المعالجة للتطرف دخلت مرحلة حاسمة في اجتثاثه بعد التصريح المباشر والشجاع لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي أدلى به في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» بالرياض بتاريخ 29 شوال 1438هـ الموافق 24-10-2017م حيث قال « نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب . وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة، سندمرها اليوم وفورا «ثم أكد أننا» نريد أن نعيش حياة طبيعية، حياة تترجم ديننا السمح، وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة».
دخلت تلك المرحلة بما حوته من أحداث جسام ذمة التاريخ، وتجاوزناها بنجاح؛ على الرغم من محاولات التطرف التي لم تتوقف عن تعطيل مسيرة حياتنا.
لكن؛ ما هي الدروس المستفادة ؟ يتبع