د. خيرية السقاف
اقترب الصغير منها وهي تصلي, أخذ يرقبها فكلما نهضت وقف معها جوارها, ووجهه يتجه إليها, يتفرَّس ملامحها, وكلما ركعت, أو سجدت جاء بمثل ما تفعل, حتى إذا ما ألمح حركة صامتة لشفتيها وهي تتلو, أو تدعو أخذ يفعل مثلها, وعندما قضت, ذهبت تضمه بقوة إليها, وتسأله عما كان يفعل ابن الرابعة..
كنتُ على مقربة منهما أتابع المشهد بصمت, إذ سمعته يفاجئها بسؤاله: «ماما كيف أحب ربي مثلك»؟!, فإذا هي تشهق باكية, تنظر إليَ وهي تقول: سؤال كبير منه..؟!,
ثم أعادت إليه السؤال ولكن بطريقة أخرى: كيف تحبني أنت؟!..
قال: أنتِ ربي؟!.. تبسَّمَتْ, وواصلت التَّساجل معه في سؤال وجواب, ثم أخذت تشرح له ما كان ينبغي أن تقوله, إن الله ربنا لا نراه, ولا نسمعه لكنه معنا, هو الذي خلقنا, وأطعمنا, وكسانا, وإنه تعالى لا يريد منا إلا أن نعلم بوجوده فنصلي له حمدًا, وتقربًّا, و..و..
وإذا بالصغير وهو يصغي بشغف يقول لها: «ماما, أنا أحب ربي, لأنه خلقكِ»!!..
جذبته بقوة إلى حضنها وهي تشهق, قالت له: «شكرا صغيري, لكننا معا نحبه لأنه خلقنا كلنا, وأعطاني إياك, وأعطاك لي»..
قال لها واعدا: «سأصلي مثلك دوما, لأنني أنتظر من ربي أن «يخليكي», ثم ذهب يقفز فرحًا وهو يردد:
«يخليكي», «يخليكي»!!..
من هنا, تنشأ القدوة,
ومن هنا تنبت في صدورهم الروابط العميقة بمعرفة الله, وبحب الله, ويستقر يقينهم, وتطوَّع فيهم مسالكهم, ويحلو لهم تعبُّدهم, ويقبلون على زلال نبعِ كل ما يرضيه تعالى, فيسعدهم.
إن الناشئة إن لم يجدوا أمامهم المصباح, سيتعثرون بظلمة واقعهم المتشعبة روافده, النائية مسالكه, القاصرة عن الضوء فتائله من هذا النبع الزلال سقيا دنياهم, وأخْراهم...