د. محمد عبدالله الخازم
الثقافة لها تعريفات عديدة، لكن في الجانب الإجرائي يمكن القول إن لها مكونات ظاهرة وضمنية. واجتهادًا سأشير إلى بعضها، وتشمل الإنتاج الكتابي من رواية وحكاية وقصة وشعر ومقالة وصحافة، وإنتاجًا غنائيًّا وموسيقيًّا بمختلف أنواعه، وإنتاجًا تشكيليًّا متمثلاً في الرسم والنحت وما في حكمه، وإنتاجًا سينمائيًّا وتلفزيونيًّا وإذاعيًّا، وغير ذلك. تلك أبرز المكونات، ونلاحظ أنها متداخلة؛ إذ إن الإنتاج التلفزيوني والسينمائي يتطلب وجود نص كتابي وموسيقي.
يمكن القول إن الكتابة أو مكونات الثقافة الكتابية هي القاعدة التي يقوم عليها الفعل الثقافي، ودونها تتحول مكونات الثقافة إلى منتج محلي متواضع، أو منتج مستورد لا يعبر عن الثقافة التي تريد الترويج لها عن وطنك. هناك أوعية عرض ثقافية، تستطيع بناءها، كدور السينما والمسارح والمتاحف.. وهذا ما تقوم به الدولة ممثلة في وزارة الثقافة وقطاعاتها المختلفة، لكنها لا تنتج فعلاً ثقافيًّا حقيقيًّا دون وجود المصانع الثقافية، وأهمها الكتابة والتأليف بمكوناته الكتابية والموسيقية والتشكيلية، كما أشرنا أعلاه. الكلمة هي الأساس، ولا صنع للكلمة بدون كتابة.
سأقترب أكثر وأشير إلى مخاوف. ثقافتنا في خطر؛ لأن هناك فكرًا يأخذ الصدارة، يعتقد أن الثقافة هي صالة سينما أو مسرح غنائي أو متحف تراثي وتشكيلي. والأمر يصل حد التسطيح بمحاولة ملء تلك الأوعية بمنتجات هزيلة ومنتجات تجارية مستوردة. ثقافتنا في خطر؛ لأن إنتاجها أصبح متواضعًا؛ فجزء كبير نراه مجرد فعل (نوستالجي)، يلوك في حراك ماضٍ وسابق، وجزء آخر اختطفته ثقافة الصورة ووسائل التواصل الاجتماعي، وهي مجرد أوعية، وليست مكون إبداع.
ليس المجال لتحليل المبررات لذلك، أهي تواضع التعليم، أم تغليب الأكاديميا المدرسية على الإبداع، أم هي التوجهات الأيديولوجية التي تسيطر على مجتمعاتنا، أم هي تراجع التحفيز الرسمي، أم هي غياب مناخ الحرية الفكرية، أم هي تراجع الوسيلة الأولى التي كانت تعتمد عليها الثقافة، ألا وهي الصحافة والطباعة والنشر، أم هي سيطرة الفكر التجاري الإعلاني؟.. هي خليط من هذا وذاك، وحتمًا نحتاج لمناقشة كل ذلك والتعرف على مكامن الخلل؛ لنبدأ أو نعاود الانطلاق نحو مستقبل ثقافي.
وزارة الثقافة الجديدة ما زالت تتشكل، ولسنا نعلم ما هي استراتيجيتها لتحفيز إنتاج الثقافة المحلية، وهل تستطيع الخروج من مأزق المفاهيم التجارية والشعبوية التي تسيطر على الثقافة الحديثة، أم تكتفي بإدارة النشاط الثقافي بمكونات متواضعة؟ هل ستكون محفزة لخلق بيئة ثقافية، أم موجهة تحول صنع الفعل الثقافي؟
يصعب تقديم وصفة أو نصيحة متكاملة للثقافة السعودية الجديدة؛ فالنصيحة دون حوار مجرد أمانٍ وتخيلات ورسائل، لا تدري هل تصل أم تتوه وسط الضجيج. حتى الآن ما زلنا ننتظر حوار وزارة الثقافة كمؤسسة رسمية، مع مختلف الشرائح الممثلة للفعل الثقافي، وننتظر التعرف على الرؤية الفكرية للقائمين على المؤسسة. طبعًا مع التماس العذر لهم في تأخُّر بعض ذلك؛ ربما لكون فترة التكوين ابتدأت في موسم صيف، وهو فصل يكون خاملاً إداريًّا، أو لرغبة المعنيين في ترتيب البيت الإداري للمؤسسة قبل النزول للميدان والتعبير عن رؤاهم الفكرية والثقافية!