محمد سليمان العنقري
اتفقت الكثير من آراء ودراسات بيوت المال العالمية على أن «أزمة مالية عالمية قادمة»، وقد تكون في وقت قريب، لكن بنك «جي بي مورغان تشيس» العالمي كان أكثر دقة من غيره، وحدد العام 2020م ليكون هو بداية الأزمة المرتقبة، لكن هل ستكون بآثار الأزمة نفسها التي اندلعت قبل عشرة أعوام في 2008، وكانت شراراتها إعلان إفلاس بنك ليمان براذرز أحد أكبر البنوك الاستثمارية العالمية الذي بلغ عمره حتى لحظة وفاته وغيابه من عالم المال والأعمال 158 عامًا، أي أنه عاصر أزمات وحروبًا عالمية، صمد خلالها، لكنه انهار بالأزمة الأخيرة التي مسحت عشرة تريليونات دولار من قيمة أسواق المال بالعالم بعد اندلاعها؟
والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل من المعقول أن تعود أزمة مالية عالمية من جديد رغم كل الإجراءات والمعالجات التي تمت للأزمة الأخيرة، وأسفرت عن ضخ تريليونات الدولارات بالأسواق «المال الرخيص»، وسياسات مالية ونقدية مرنة، والكثير من التدابير، أم أن المعالجة كانت خاطئة؛ ولذلك فإن الأزمة القادمة هي نتيجة لها؟ فالآراء اتفقت على أن سهولة ورخص الاقتراض هما العامل الذي سيعيد العالم لمربع الأزمة من جديد؛ فديون العالم وصلت إلى 250 تريليون دولار أمريكي، ومع تشديد السياسة النقدية من الفيدرالي الأمريكي، وعودته لرفع أسعار الفائدة، وسحب التيسير الكمي من الأسواق، بدأت ملامح شح السيولة وهجرة الاستثمارات من الاقتصادات الناشئة تظهر آثارها بانهيارات بعملات تلك الدول، مثل تركيا والأرجنتين وروسيا وغيرها. فماذا سيحدث بعد استكمال سحب التيسير الكمي واضطرار بقية البنوك المركزية بالدول الكبرى لاتباع سياسات مماثلة مثل الاتحاد الأوروبي أو اليابان وكذلك الصين التي يتراجع نمو اقتصادها، وهو الذي كان الداعم الأكبر لنمو الاقتصاد العالمي؟
فهذه الأزمة المحتملة والمرتقبة تتطلب نظرة جدية لها، واستعدادًا واسعًا من قِبل دول الخليج والمستثمرين الخليجيين على حد سواء. فإذا كانت أسعار النفط قد ارتفعت لمستوى جيد هذا العام، ويتوقع لها أن تستمر بالمستويات نفسها، بل أعلى في العام القادم، فإن الحاجة للتحوط تبدو ضرورية مع دراسة لمستقبل السيولة بالأسواق، وكيفية التعامل مع أي شح محتمل لها. فكبير الاستراتيجيين ببنك جي بي مورغان يتوقع أن أزمة السيولة الكبيرة ستضرب الأسواق المالية؛ وهو ما يعني أن ما نراه من تداعيات أولية بعملات دول عديدة انهارت بسبب شح السيولة، مع عدم اليقين بمصير الحرب التجارية بين أمريكا وكبار شركائها التجاريين، وعلى رأسهم الصين، ما هو إلا مؤشرات تعزز من احتمال نشوب أزمة مالية عالمية، لن يكون بمقدور الدول الكبرى وضع الحلول لها لنفاد ذخيرتهم خلال الأزمة الماضية التي يعتقد البعض أنها لم تنتهِ، إنما ستأخذ طورًا جديدًا خلال العامين القادمين.
زيادة التوقعات لأزمة مالية عالمية جديدة أو ممتدة للتي بدأت قبل عشرة أعوام باتت أمرًا مقلقًا، وملامحها تظهر في دول عديدة حاليًا؛ وهو ما يعني أهمية التحوط لها مع الاستعداد لمواجهتها، وخصوصًا أن الإمكانيات لذلك متوافرة؛ فالمملكة - على سبيل المثال - لديها احتياطيات مالية ضخمة، تقارب 500 مليار دولار، ودَيْن عام منخفض، وأسعار نفط مناسبة لرفع الاحتياطيات، ورفع كفاءة الإنفاق، إضافة لتحسين مستوى تنفيذ البرامج والمبادرات التي اشتملت عليها الرؤية لتحريك الاقتصاد نحو نمو جيد وذاتي مع جذب الاستثمارات النوعية طويلة الأمد.