عروبة المنيف
إن انتشار الإعلام الإلكتروني بشكل كبير ساهم في حدوث فوضى إعلامية تعقبها فوضى مجتمعية، ما أدى إلى انتهاكات أخلاقية وقضايا تعاني منها أروقة المحاكم وأقسام الشرطة، وقد ساهم العمل على تقنين النشر الإلكتروني من خلال سن «قانون الجرائم المعلوماتية» في عملية ضبط الفوضى إلى حد ما. وما زالت القوانين الضابطة تصدرمن قبل الجهات الأمنية، وكان آخرها إعلان النيابة العامة منذ أسبوع عن اعتبار إنتاج وإرسال البيانات والمواد والمواقع التي تمس الآداب العامة أوالقيم الاجتماعية في وسائل التواصل الاجتماعي جريمة معلوماتية وفرض عقوبات على مرتكبي ذلك، فالمستجدات التي يفرزها الفضاء الإلكتروني متسارعة وغير متوقعة. وبقدر ما ساهمت تكنولوجيا المعلومات والاتصال في فتح المجال لحرية الرأي والتعبير بقدر ما ساهمت في إيجاد أنماط جديدة من الانتهاكات الأخلاقية الإعلامية، حيث يفترض من الإعلامي أن يضع في الاعتبار مسؤوليته الإعلامية عند استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي بهدف النشر أو البث، ويكون على وعي كامل في كيفية استخدام إطلالته الإعلامية من خلال المنصات المختلفة.
نتساءل هنا، هل هناك مواثيق أخلاقية إعلامية مفروضة على مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي؟، لقد أثار مقطع مصور «سناب» بثته إعلامية خليجية مشهورة شريحة كبيرة من المجتمع، بثت المقطع وهي متباهية بقبولها هدية من شركة عطور عريقة مدعية بأن الهدية مقدمة من جهة حكومية رسمية!، إن بثها للفيديو بدون التحقق من المصدر يؤكد افتقارها للأبجديات الإعلامية لممارسة المهنة، فالمعايير الأخلاقية والضوابط التي يلتزم بها الإعلامي أثناء عمله ضرورية جداً بحيث يدرك الصح والخطأ في السلوك المهني الإعلامي. لقد كشفت النيابة العامة عملية الاحتيال التي حصلت مع الإعلامية المعنية التي تستهدف سمعة المملكة وشعبها وقادتها، وعدم الكفاءة المهنية كانت سبباً في إيقاع تلك الإعلامية في الفخ!.
تساؤل آخر، هل الجمال وحده والكاريزما والحضور هو المعيار الأهم في الدخول لعالم مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي واعتبار ذلك الشخص ممتهناً إعلامياً؟! أليس هناك معايير أخرى تتضمن فرض مواثيق أخلاقية على مرتادي ومشاهير تلك الوسائل الإعلامية من خلال التركيز على النزاهة في العمل الإعلامي ودقة المعلومات ومصداقيتها والأمانة والموضوعية في النشر والبث؟!.
إن اتباع الأخلاقيات والمعايير المهنية من خلال البث الإعلامي ينطلق من مبدأ المسؤولية الاجتماعية، فالأخطاء المرتكبة من قبل مرتادي الفضاء الإلكتروني ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي قد تتحول إلى أخطار تهدد المجتمع وتوجه الرأي العام بطريقة خاطئة، ما جعل أخلاقيات المهنة الإعلامية مهددة، فكل من يستطيع الإمساك بهاتفه ليبث الغث والسمين أصبح وجهاً إعلامياً له متابعوه!.
إن سن قانون إعلامي شامل يتم فيه تحديد المقبول وغير المقبول ويشدد على احترام أخلاقيات العمل الإعلامي هو من الضروريات في الوقت الراهن، فالترخيص لمن يرغب في أن يصبح من إعلاميي تلك الوسائط يتم بعد أن يخضع لدورات في أخلاقيات المهنة ويمنح بعدها شهادة تؤهله للقيام بذلك الدور.
لا نستهين أيضاً بتعليم الأخلاقيات الإعلامية للطلاب والطالبات وإدراج مادة التربية الإعلامية في المدارس لأن أدوات النشر والبث أصبحت في أيديهم ويتوجب عليهم أن يدركوا أنهم أمام مسؤولية اجتماعية. إن رفع الوعي بتلك المسؤولية يساهم في صنع جيل يحترم الأخلاقيات الإعلامية لتصبح جزءاً من ثقافة المجتمع.