م. خالد إبراهيم الحجي
إن الجانب الأكبر تحديًا في بناء الكباري والجسور المعلقة هو التصميم التصوري (ذا كونسيبشينال ديزاين) أو اختيار التصاميم الهندسية المناسبة التي تتصل بمدى اتساع الجزء المعلق بين الأعمدة الحاملة والمقاطع العرضية لها؛ لأن إتقانها يتطلب حصيلة تراكمية من المعارف الأساسية، والمهارات المهنية، والخبرات العملية الناجحة التي يكتسبها المهندسون من التجارب على أرض الواقع.
وإقامة الجسور على الأنهار والبحار تعد أيقونات فريدة للمدن التي تحتضنها، ومعالم معمارية تميزها، وهي منشآت إستراتيجية يجب حمايتها مهما كلف الأمر؛ لأنها تُستخدم لربط الأجزاء المنعزلة مثل ضفاف الأنهار والجزر المنعزلة عن اليابسة للعبور في الأماكن التي يوجد بينهما عوائق مانعة، مثل: المناطق السكنية أو المناطق الأرضية الوعرة شديدة الانخفاض أو المائية. كما تستخدم في مد السكك الحديدية، وحمل وتمرير كابلات الكهرباء وأنابيب المياه العذبة وخطوط النفط والغاز، لتحقيق الاتصال البري بين الجهتين وتسهيل الحركة للبشر والدواب والبضائع والمعدات العسكرية بواسطة وسائل المواصلات الحديثة، وتختصر المسافات لتنقل الأشخاص بين المدن والدول، والذهاب إلى أماكن جديدة لم تكن مألوفة من قبل، فتعزز السياحة، وتسمح بالتقارب في العادات والتقاليد المختلفة، والثقافات المتنوعة، والمعتقدات المتعددة، والدمج الإقليمي.
ومن أمثلة الجسور التي تربط بين الدول:
(1): جسر الملك فهد على خليج البحرين الذي يربط بين السعودية والبحرين بطول (25) كم.
(2): جسر أوريسند للسيارات والقطارات الذي يربط بين مدينة كوبناهاجن في الدنمارك ومدينة مالمو في السويد على مضيق أوريسند بطول (7.845) متراً.
(3): جسر إمباسادور الذي يربط بين مدينة ديترويت بولاية ميتشجن الأمريكية ومدينة وندسور بأونتاريو الكندية بطول (2.300) متر.
وقد بدأت مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية فكرة إنشاء جسر آخر على خليج البحرين يحمل اسم الملك حمد بين البحرين والسعودية؛ فتم اختيار مؤسسة جسر الملك فهد لدراسة طرح مناقصة إسناد التصاميم الهندسية الخاصة بالجسر إلى استشاري هندسي قبل نهاية عام 2019م، وسيبدأ من مدينة الدمام في السعودية وينتهي في منطقة البديع في البحرين بطول (25) كم، ليكون موازياً لجسر الملك فهد الموجود الذي يعمل بمسار واحد للسيارات الصغيرة والشاحنات الكبيرة على حد سواء.
وسيضم الجسر الجديد ثلاث مسارات أحدهما للسيارات الصغيرة، والآخر للشاحنات الكبيرة، والمسار الثالث خاص بالقطارات، بالإضافة إلى أماكن مخصصة للمطاعم والاستراحات والجوازات والجمارك والأمن ومرافق الخدمات الأخرى.. ولا شك أن إنشاء الجسر الجديد سيخفف الزحام والضغط على جسر الملك فهد الحالي من جميع الأوجه، وسيضيف وسيلة نقل جديدة مهمة جداً في نقل الناس والبضائع، وسيكون بوابة برية أخرى لمملكة البحرين؛ لذلك يجب أن يكون بناء جسر الملك حمد فريداً من نوعه يطبق في إنشائه آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا العلمية في مجالات الهندسة المختلفة، وأهمها في وقتنا الحاضر استخدام الطاقة الكهربائية المتجددة للحد من التلوث البيئي وفقاً لمعايير البيئة المستدامة؛ لأن الجسر الجديد سيكون أكبر من جسر الملك فهد الحالي وأكثر استهلاكاً للكهرباء لاشتماله على مسارين إضافيين أحدهما للقطارات التي يفضل أن تعمل بالطاقة الكهربائية المتجددة.. والكباري والجسور هي أحد الحلول التي يتم طرحها خلال مرحلة التصميم التصوري.
والحل الآخر هو بناء الأنفاق التي تخترق الجبال أو تمر تحت قاع الأنهار والبحار في باطن الأرض وتؤدي جميع وظائف الكباري والجسور، وتحقق جميع المنافع والفوائد التي تحققها، ومع أنها تحتاج إلى التهوية الملائمة والتكييف المناسب إلا أنها تتميز على الكباري والجسور بأنها لا تتأثر بالأحوال الجوية، ومن الصعب تخريبها أو تدميرها.
وتكلفة البناء للكيلو متر طولي من الأنفاق قد تصل إلى ثلاثة أضعاف تكلفة بناء الكيلو متر طولي من الكباري والجسور ذات الأطوال القصيرة، ثم تتناقص تكلفة البناء مع تزايد طول الأنفاق حتى تصبح تقريباً متماثلة مع تكلفة بناء الكباري والجسور التي يزيد طولها عن (25) كيلومتراً.