محمد آل الشيخ
العالم اليوم هو عالم الدول المدنية، حيث إن مصلحة الشعوب وأمنها ورفاهيتها، هي الفيصل في المقبول والمرفوض. إيران اليوم دولة ثورية (كهنوتية) بامتياز، حيث يتربع رجل دين على عرش السلطة فيها، تماماً كما هي الدول في العصور الوسطى المظلمة في أوروبا. والسؤال: ماذا لو تمدنت إيران، وتحولت إلى دولة مدنية، يحكمها أهل الاختصاص الدنيوي، لا الديني، وتدور قراراتها مع مصلحة المواطن الإيراني حيث دارت واتجهت؟
كل شيء سيتغير، وستكون الأولوية في الصرف ليس لخدمة الأيديولوجيا الدينية، وإنما لخدمة التنمية والخدمات في كل المجالات، ولا سيما أن إيران دولة كانت طوال تاريخها سياحية، بل يمكن القول إن في إيران من عوامل الجذب السياحي والآثار العريقة، ما يجعل دخل قطاع السياحة يتجاوز دخل النفط والغاز، إضافة إلى أن هذا القطاع سيوفر من الوظائف للإيرانيين ما سيمتص البطالة المتفشية بين الإيرانيين الآن، والتي تتزايد معدلاتها سنة بعد سنة. هذا فضلاً عن أن رؤوس الأموال الأجنبية ستتدفق على إيران لتستثمر فيها، خاصة رؤوس الأموال الخليجية على وجه التحديد. ومن زار إيران قبل أن يقفز رجال الدين إلى سدة السلطة، أي في عهد الشاه، يدرك ما أقول وما أتحدث عنه. غير أن رجل الدين لا يهمه الإنسان والارتقاء به، قدر ما تهمه الأيديولوجيا التي يدعو إليها، ويجعل العمل على نشرها في الخارج أولوية مطلقة لا تعلو عليها أولوية، بل إن مفهوم (الشهيد)، ومن يضحي بنفسه وماله في سبيل نشر الأيديولوجيا، هو المواطن الصالح، الذي يجب أن يكون محل رعاية وتقدير من قبل السلطة الحاكمة، أما من يحفل بالدنيا ويعمل على إعمارها، في أي مجال غير مجال نشر الأيديولوجيا، فهذا في المعايير والمقاييس الكهنوتية ليس أهلاً للاحترام والتقدير، ناهيك عن الاهتمام مقابل من يبحثون عن الموت في سبيل الأيديولوجيا.
لذلك أقول وأنا على يقين بما أقول إن إيران إذا تمدَّنت، وتولى أمرها أهل الاختصاص الدنيوي والإبداع فيه، وانفتحت على العالم، وعاد رجال الدين إلى مساجدهم وحوزاتهم، فإن أول من سينتصر هو المواطن الإيراني، الذي أرهقته الدولة الكهنوتية، وعبثت بمقدراته، وجعلت من هذه الدولة التي تملك من عوامل الإنتاج ما لا تملكه كثير من الدول، في قاع التخلف وانتشار الأوبئة الاجتماعية بمختلف أشكالها، رغم أنها وأهلها وتاريخها، أهل بكل ما تحمله الكلمة من معنى لتكون إحدى الدول العملاقة والمستقرة والمترفة شعوبها بكل المقاييس.
لذلك، وعلى قاعدة (ومن الكي قد يجيء الشفاء)، فإن أول المستفيدين من حصار إيران الاقتصادي وكبح جماح حكامها الكهنوتيين، الذين بعثروا ثرواتها ذات اليمين وذات الشمال، هم أهل إيران أنفسهم قبل دول الجوار الذين عانوا من مغامراتها وتدخلاتها في شؤونهم الداخلية أشد المعاناة، ربما يكون العلاج مؤلماً، وقاسياً أيضاً، لكن التخلص من الحكم الكهنوتي غاية سامية، ترخص من أجل بلوغها كل أنواع الألم والقسوة.
إلى اللقاء