أ.د.عثمان بن صالح العامر
بعيداً عن المواقف العاطفية، والإسقاطات الشخصية، ونبش أوراق الماضي، وسوق حالات فردية لكل واحدة منها ظروفها الوقتية وتوظيفها في الرد على صاحب المعالي بطريقة مجتزأة، ودون الولوج لمعمعة المعترك القائم بين (مع) أو (ضد) والانتصار لقول طرف على آخر، والدخول في قال وقلنا، أو التخوين والاتهام الواسع النطاق، أو الجزم بما في الصدور من نوايا لا يعلم بها إلا الله.. بعيداً عن كل ذلك لا بد أن يدرك القارئ الكريم والمواطن الصادق في بحثه عن الحقيقة أن الاعتقاد السائد لدى شريحة عريضة في المجتمع أن مدير الجامعة هو من يقرر رفض هذا المتقدم أو قبوله، وهو من يضع الشروط حسب هواه ورغبته الشخصية، وأنه هو من يقف -في بعض الجامعات- ضد التحاق الشباب والفتيات السعوديين والسعوديات بسلك التعليم الجامعي وأنه... وأنه... اعتقاد خاطئ، حتى إن فُهم من كلام معالي مدير الجامعة -في رده على الطالب الذي جاءت مداخلته ملامسة للجرح الغائر في صدر معاليه- هذا الشيء، إذ إن القرارات في الجامعات قرارات مرشدة غالباً، فهي تمر بمجالس عدة، ولها إجراءات معروفة في الوسط الأكاديمي، تبدأ من القسم المعني الذي هو الأساس، وهو المسؤول الأول عن القبول أو الرفض، وعليه تلقى التبعة قبل غيره، وهو المتهم حين الرفض أو المحاباة عند إجراء المفاضلة بين المتقدمين وليس مدير الجامعة، وغالباً ما يكون في هذه الأقسام لجنة للمقابلات مع الراغبين الالتحاق بالقسم بعد فرز أوراقهم والتأكد من اكتمالها وتوفر شروط القبول المبدئي لها، ثم مجلس الكلية، فالمجلس العلمي، وأخيراً مجلس الجامعة الذي ينبني قراراه غالباً على ما أوصت به المجالس السابقة، ولا ينتهي الأمر عند هذا، بل يرفع محضر الاجتماع لمعالي وزير التعليم -بعد أن توقعه أمانة المجلس من جميع الأعضاء- فيصادق عليه الوزير أو يعترض، وعلى افتراض أنه وجد خلل ما في هذه السلسلة من الإجراءات فديوان المظالم لا يحابي أحداً ولا يجامل، ويأخذ الحق لصاحبه من الجامعة التي جارت عليه.
غالباً ما يتم الرفض للمتقدم في الدرجة الأولى من السلم ذي الخمس درجات، ليس لأمر شخصي ولا هو -في اعتقادي- رغبة في المتعاقد وتفضيل له على السعودي، ولكن لاختلال أحد الشروط الأربعة التي هي -في نظري- المسبب الحقيقي لعدم إلحاق السعودي بمنظومة أعضاء هيئة التدريس، ويمكن إجمال هذه الشروط في:
1- يشترط لمن يقبل مبدئياً أن يكون حاصلاً على تقدير جيداً جداً على الأقل في مرحلة البكالوريوس، مع أن المفترض أن يكون الاعتداد بآخر درجة علمية حصل عليها المتقدم.
2- وقاصمة الظهر ما اصطلح عليه (امتداد التخصص) حيث يشترط أن يكون تخصص المتقدم في مراحله الثلاث واحدًا أو متقاربًا، وهذا هو ما حرم الجامعات الاستفادة من مبتعثي برنامج خادم الحرمين الشريفين، خاصة القدماء منهم الذين قد يكون الواحد منهم متخصصًا في اللغة العربية أو التاريخ أو... ونال درجة الماجستير والدكتوراه في الحاسب الآلي أو نظم المعلومات أو إدارة الأعمال.
3- أما الثالث فيشترط عدم كون المتقدم في وظيفة، مما جعل الجامعات ترفض معلمين حصلوا على دكتوراه، خاصة في التخصصات الإنسانية النظرية ولديها متعاقدون هم ليسوا على ملاك جامعات أساساً، والجواب الجاهز لدى الجامعات -وهو جواب منطقي نوعاً ما- قولهم: «إن هؤلاء وضعهم مؤقت، ويمكن الاستغناء عن خدماتهم متى ما وجد البديل الذي تنطبق عليه الشروط»، وغالباً تمضي العشر السنوات المحددة لبقاء المتعاقد ولَم يتوفر هذا البديل.
4- كما أن من أسباب الرفض الشكلية العمر مع أن الجامعات تتعاقد مع أساتذتها بعد تقاعدهم الإلزامي ببلوغهم الستين.
هذا لا ينفي أن هناك حالات رفضت لغير هذه الأسباب وربما لأمور شخصية فأنا لست في مقام الدفاع عن أحد، ولكنني في ذات الوقت لا يمكن لي أن ألقي التهم بلا دليل وبرهان على مثله أشهد، وليس لدي اطلاع على جميع معطيات وحالات هذا الملف الوطني الساخن، ولكن قبل أن ننظر فيما هو غير منضبط ولا يمكن تشخيصه بشكل دقيق ومحدد ليكن لنا مطالبة بإعادة النظر في هذه الشروط وما ماثلها التي تضعها مجالس الجامعات أو يأتي بها توجيه من مقام وزارة التعليم، فهي في نظري التي حرمت الجامعات الكثير من الكوادر العلمية المتميزة، ثم بعد ذلك تدرس الحالات المرفوضة لأسباب غير واضحة وليست منطقية واحدة واحدة من قبل لجنة مركزية في الوزارة يترأسه وكيل الوزارة للتعليم العالي والبحث العلمي، مع التأكد قبل كل هذا الجدل والأخذ والرد من وجود وظائف أكاديمية مخصصة لهذه الجامعة، وهذه أيضًا مشكلة معقدة تحتاج إلى تكاتف جهود كل من ( وزارة الخدمة المدنية مع وزارة المالية ووزارة التعليم) من أجل تعزيز الجامعات الناشئة بوظائف أكاديمية تلبي احتياج هذه الجامعات وتفي بمتطلباتها الفعلية لا الورقية، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.